فمن صار إلى الوقف على قوله وما يعلم تأويله إلا الله أعرض عن التأويل وجعل قوله والراسخون في العلم كلاما مبتدأ، ومعناه أن العلماء يقولون آمنا به ومن صار إلى الوقف على قوله والراسخون في العلم، فيكون معناه أن الله تعالى يعلم تأويله والراسخون في العلم أيضا يعلمون تأويله صار إلى التأويل) (2).
فعلى الرغم من كونه يذكر موقف السلف من المحكم والمتشابه إلا أنه نسب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر أنواع التأويلات الباطلة وأمثلتها من كلام الأشعرية فى مقدمة فى أصول التفسير لابن تيمية ص43 وما بعدها، و درء تعارض العقل والنقل 1/ 226 وما بعدها بتصرف.
(2) الغنية فى أصول الدين، تحقيق عماد الدين أحمد حيدر ص 77، نشر مؤسسة الخدمات والأبحاث الثقافية، بيروت سنة 1987م.
إليهم الإيمان بنصوص الصفات وإن لم يعرفوا معناها، وجعلهم بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم:
? وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ? [البقرة:78].
ويقول مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي (ت:1033): (ومن المتشابه الإستواء في قوله تعالى: ? الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ? وهو مذكور في سبع آيات من القرآن، فأما السلف فإنهم لم يتكلموا في ذلك بشيء جريا على عادتهم في المتشابه من عدم الخوض فيه مع تفويض علمه إلى الله تعالى والإيمان به) (1).
ثم يستدل على ذلك بقول الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة (2).
• أمثلة معاصرة على اعتقاد الخلف أن مذهب السلف هو التفويض.
[1]- قال صاحب جوهرة التوحيد رحمه اللَّه:
وكل نص أوهم التشبيه: أوله أو فوِّض ورم تنزيها
ويذكر شارح الجوهرة تحت هذا البيت فى قوله تعالى: ? وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ? [الفجر:22] وحديث الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ S قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) (3)، يقول: فالسلف يقولون: مجيء ونزول لا نعلمه) (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات، تحقيق شعيب الأرناؤوط 1/ 120، مؤسسة الرسالة بيروت1406هـ.
(2) السابق1/ 120.
(3) أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1145).
(4) شرح البيجورى على الجوهرة ص109 طبعة المعاهد الأزهرية.
فادعى الناظم والشارح معا أن مذهب السلف الصالح هو تفويض المعنى، وهذا باطل لأنه جعل كلام اللَّه بلا معنى، وجعل السلف بمنزلة الجهلة الذين خاطبهم اللَّه بالألغاز والأحاجي وما لا يفهم معناه، ولا يعقل أن نسمع رجلا أجنبيا يتحدث بلغة لا نفهمها ولا نعلم لسان أهلها ثم نقول بعد سماعنا له: كلامك جيد ووصفك سليم وكلامك ليس فيه باطل ونحن نصدق كل ما تقول!
وإذا كان هذا مستقبحا بين البشر فكيف نقبله فى كلام اللَّه عز وجل؟! فالسلف لم يقولوا: مجيء ونزول لا نعلمه كما ادعى شارح الجوهرة، وإنما قالوا: مجيء ونزول لا نعلم كيفيته وفرق بينهما عظيم.
[2]- قال الشيخ أمين محمود خطاب عن نصوص الصفات: (إن السلف فوضوا علم المراد منها إلى اللَّه تعالى. فقوله: ? الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ? يقول فيه السلف هو مصروف عن ظاهره ويفوضون علم المراد منه إلى اللَّه) (1).
والسلف الصالح ما قالوا هذا، وإنما قالوا فى الآية: هى على ظاهرها والمعنى معلوم واضح، والمجهول هو الكيف فقط، ولكن الأشعرية ظنوا أن الظاهر منها يتحتم أن يكون هو الظاهر من استواء بلقيس على عرشها، ولو سألت أحدهم: هل رأيت استواء بلقيس؟ فيقول: لا، يقال له: وهل رأيت له مثيلا؟ فيقول: نعم، فيقال عند ذلك: معنى استواء بلقيس معلوم وكيفية استوائها معلومة أيضا من رؤيتك للمثيل، لكن إذا سألناه: هل رأيت استواء اللَّه؟ فيقول: لا، فيقال: وهل رأيت له مثيلا؟ فيقول ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ?
¥