وهذه دعوة قديمة منذ ظهور عقيدة التفويض وعدم إدراك ما عليه السلف، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن قول القائل: لا يتعرض لأحاديث الصفات وآياتها عند العوام ولا يكتب بها إلى البلاد ولا في الفتاوى المتعلقة بها، إما أن يريد بذلك أنه لا تتلى هذه الآيات وهذه الأحاديث عند عوام المؤمنين، فهذا مما يعلم بطلانه بالاضطرار من دين المسلمين، بل هذا القول إن أخذ على إطلاقه فهو كفر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر مجموع الفتاوى 3/ 43، درء التعارض بين العقل والنقل 7/ 128 بتصرف.
(2) السابق 5/ 108.
صريح، فإن الأمة مجمعة على ما علموه بالاضطرار من تلاوة هذه الآيات في الصلوات فرضها ونفلها واستماع جميع المؤمنين لذلك، وكذلك تلاوتها وإقرائها واستماعها خارج الصلاة هو من الدين الذي لا نزاع فيه بين المسلمين، وكذلك تبليغ الأحاديث في الجملة هو مما اتفق عليه المسلمون، وهو معلوم بالاضطرار من دين المسلمين، إذ ما من طائفة من السلف والخلف إلا ولا بد أن تروي عن النبي S شيئا من صفات الإثبات أو النفي، فإن الله يوصف بالإثبات وهو إثبات محامده بالثناء عليه وتمجيده، ويوصف بالنفي وهو نفي العيوب والنقائص عنه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
وأما أن يريد أنه لا يقال حكمها كذا وكذا إما إقرار وتأويل أو غير ذلك فإن أراد هذا فينبغي لقائل ذلك أن يلتزم ما ألزم به غيره فلا ينطق في حكم هذه الآيات والأحاديث بشيء، ولا يقول الظاهر مراد أو غير مراد ولا التأويل سائغ ولا هذه النصوص لها معان أخر ونحو ذلك، إذ هذا تعرض لآيات الصفات وأحاديثها على هذا التقدير وإذا التزم هو ذلك وقال لغيره التزم ما التزمته ولا تزد عليها ولا تنقص منها فإن هذا عدل، بخلاف ما إذا نهى غيره عن الكلام عليها مع تكلمه هو عليها كما هو الواقع.
وكذلك قوله ولا يكتب بها إلى البلاد ولا في الفتاوى المتعلقة بها إن أراد أنها أنفسها لا تكتب ولا يفتى بها، فهذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام كما تقدم، وإن أراد لا يكتب بحكمها ولا يفتي المستفتي عن حكمها، فيقال له فعليك أيضا أن تلتزم ذلك، ولا تفتي أحدا فيها بشيء من الأمور النافية، وحينئذ يكون أمرك لغيرك بمثل ما فعلته عدلا، أما أن يجيء الرجل إلى هذه النصوص فيتصرف فيها بأنواع التحريفات والتأويلات جملة أو تفصيلا ويقول لأهل العلم والإيمان أنتم لا تعارضوا ولا تكلموا فيها، فهذا من أعظم الجهل والظلم والإلحاد في أسماء الله وآياته.
كما أن سلف الأمة وأئمتها ما زالوا يتكلمون ويفتون ويحدثون العامة والخاصة بما في الكتاب والسنة من الصفات، وهذا في كتب التفسير والحديث والسنن أكثر من أن يحصيه إلا الله.
وقد قيل إن مالكا لما صنف الموطأ قال: جمعت هذا خوفا من الجهمية أن يضلوا الناس لما ابتدعت الجهمية النفي والتعطيل (1).
• لوازم القول بالتفويض.
فوجب على العقلاء من المسلمين التنبه إلى خطورة القول بالتفويض وسلب كلام اللَّه عن معناه، أو محاولة تقبيح إثبات الصفات فى نفس السامع تحت مسمى التجسيم وإثبات الأعضاء والجوارح لله، لأن القول بالتفويض يؤدى إلى الزامات قبيحة يتمثل أبرزها فيما يلى:
[1]- أن القرآن ملئ بالحشو الذى لا فائدة منه، مما يحتم حذفه ليوصف بالكمال وهذا باطل لقوله تعالى:
? لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ? [فصلت:42].
[2] – أن اللَّه خاطب عباده بالألغاز والأحاجى وهو قادر على عكس ذلك، وهذا باطل لأنه يؤدى إلى القول بأن كلام اللَّه بلا معنى، فقال تعالى:
? وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ? [النحل:103].
وقال سبحانه: ? اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ? [الزمر:23] فوصف كلامه بأنه أحسن الحديث.
¥