تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: وقال نافع: كان ابن عمر يُسلم على القبر، رأيته مائة مرة أو أكثر يجيءُ إلى القبر فيقول: السَّلام على النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- السَّلام على أبي بكر، الَّلام على أبي، ثم ينصرف … وقال مالك في "المبسوط": ولي يلزم من دخل المسجد وخرج من أهل المدينة الوقوف بالقبر وإنَّما ذلك للغرباء.

فهذا قول مالك وأصحابه، وما نقلوه عن الصَّحابة يبين أنَّهم لم يكونوا يقصدون القبر إلاَّ للسَّلام على النبي –صلى الله عليه وسلم- والدُّعاء له، وقد كره مالك إطالة القيام لذلك، وكره أن يفعله أهل المدينة كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه، وإنما يفعل ذلك الغرباء ومن قدم من سفر أو خرج له، فإن تحية للنَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فأمَّا إذا قصد الرجل الدُّعاء لنفسه فإنَّما يدعو في مسجده مستقبل القبلة كما ذكروا ذلك عن أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ولم ينقل عن أحدٍ من الصحابة أنَّه فعل ذلك عند القبر؛ بل ولا أطال الوقوف عند القبر للدُّعاء للنَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فكيف بدعائه لنفسه؟

وأما دعاء الرَّسول وطلب الحوائج منه وطلب شفاعته عند قبره أو بعد موته فهذا لم يفعله أحدٌ من السَّلف، ومعلوم أنَّه لو كان قصدُ الدُّعاء عند القبر مشروعاً لفعله الصَّحابة والتابعون،وكذلك السؤال به، فكيف بدعائه وسؤاله بعد موته؟!

فدلَّ ذلك على أنَّ ما في الحكاية المنقطعة من قوله: "استقبله واستشفع به" كذب على مالك، مخالف لأقواله، وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم التي نقلها مالك وأصحابه، ونقلها سائر العلماء، كل أحد منهم لم يستقبل القبر للدُّعاء لنفسه فضلاً عن أن يستقبله ويستشفع به، ويقول له: بل رسول الله اشفع لي أو ادع لي، أو يشكو إليه المصائب في الدِّين والدُّنيا، أو يطلب منه أو من غيره من الموتى من الأنبياء والصالحين، أو الملائكة الذين لا يراهم أن يشفعوا له، أو يشكو إليه المصائب؛ فإنَّ هذا كله من فعل النصارى وغيرهم من المشركين، ومن ضاهاهم من مبتدعة هذه الأُمَّة، ليس هذا من فعل السَّابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسانٍ،ولا مَّما أمر به أحد من أئمة المسلمين، وإن كانوا يسلمون عليه إذ كان يسمع السَّلام عليه من القريب ويبلغ سلام البعيد)

ويناقش الرفاعي رحمه الله هذا المتن فيقول:

(إن من يتأمل هذه القصة، يحكم عليها بالوضع والكذب على الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه وعلى أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي.) وذكر أسباباً قوية، ورأيت الاكتفاء بكلام شيخ الإسلام ومن أراد الرجوع لكلام الرفاعي في (التوصّل) فليرجع إليه ..

وهناك مآخذات على المتن نكملها في وقت لاحق، وإن كان في ما سبق كفاية، لمن كان باحثاً عن الحق متجرداً له، أما أهل الإضلال والمطموس على قلوبهم فهم أشبه بكلام الصادق المصدوق ((كالكوز مجخياً)) فأين يعرف للنور بصيص أمل، والله الهادي.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير