وقال محقق قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الدكتور ربيع بن هادي:
(لقد بحثت عن رجال هذا الإسناد بدءً من أبي العباس أحمد بن عمر بن دلهات إلى أبي الحسن ابن المنتاب في "ترتيب المدارك" للقاضي عياض، و"الصلة" لابن بشكوال؛ فلم أقف لأحد منهم على ترجمة، فهو إسناد غريب حقاً كما وصفه شيخ الإسلام)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة):
(وهذه الحكاية منقطعة؛ فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكاً لا سيما في زمن أبي جعفر المنصور؛ فإن أبا جعفر توفي بمكة سنة ثمان وخمسين ومائة، وتوفي مالك سنة تسع وسبعين ومائة، وتوفي محمد بن حميد الرازي سنة ثمان وأربعين ومائتين، ولم يخرج من بلده حين رحل لطلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه، وهو مع هذا ضعيف عند أكثر أهل الحديث؛ كذبه أبو زرعة وابن وارة، وقال صالح بن محمد الأسدي: مات رأيت أحد أجرأ على الله منه، وأحذق بالكذب منه. وقال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: يتفرد عن الثقات بالمقلوبات.
وآخر من روى "الموطأ" عن مالك هو أبو مصعب، وتوفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وآخر من روى عن مالك على الإطلاق هو أبو حذيفة أحمد بن إسماعيل السهمي توفي سنة تسع وخمسين ومائتين، وفي الإسناد أيضاً من لا يعرف حاله.
وهذه الحكاية لم يذكرها أحدٌ من أصحاب مالك المعروفين بالأخذ عنه، ومحمَّد بن حميد ضعيف عند أهل الحديث إذا أسند، فكيف إذا أرسل حكاية لا تعرف إلا من جهته!!.
هذا إن ثبت عنه، وأصحاب مالك متفقون على أنه بمثل هذا النقل لا يثبت عن مالك قول له في مسألة في الفقه؛ بل إذا روى عنه الشاميون كالوليد بن مسلم، ومروان بن محمد الطاطري؛ ضعفوا رواية هؤلاء، وإنما يعتمدون على رواية المدنيين والمصريين، فكيف بحكاية تناقض مذهبه المعروف عنه من وجوه، رواها واحد من الخراسانيين لم يدركه، وهو ضعيف عند أهل الحديث!!)
ـ[أبو عمر الدوسري]ــــــــ[25 - 11 - 06, 02:49 م]ـ
الكلام على متن القصة
ووقد ناقش غرائب هذا المتن المكذوب أهل العلم، ولعلي أنقل لك مناقشة الرفاعي في (التوصّل) ثم أسوق لك الأدلة الدامغة بعد أن بيان سقوط إسناد هذه القصة المكذوبة من كلام شيخ الإسلام، وكما قال ابن عبدالهادي رحمه الله: (المعروف عن مالك أنه لا يستقبل القبر عند الدُّعاء) وقد ساق البيان على سقوط القصة سنداً-ونقلناه- ومتناً-فليرجع إليه في الصارم المنكي.
يقول شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن تيمية-رحمه الله- في كتابه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) بعد أن بين فحص الإسناد وحكم بوضعه وبين أن من ينقله وهو بن حميد كذاب، فيقول:
(مع أن قوله: "وهو وسيلتُكَ ووسيلةُ أبيك آدمَ –عليه السلام-إلى الله تعالى يوم القيامة" إنما يدل على توسل آدم وذريته به يوم القيامة، وهذا هو التوسل بشفاعته يوم القيامة، وهذا حقٌّ، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة .. ولكنها مناقضة لمذهب مالك المعروف من وجوه:
أحدهما قوله: "أستقبل القبلة وأدعوا أم استقبل رسول الله وأدعو" فقال: "ولِمَ تصرفُ وجهَكَ عنه، وهو وسيلتُكَ ووسيلةُ أبيكَ آدم" فإنَّ المعروف عن مالك وغيره من الأئمَّة، وسائر السلف من الصحابة والتابعين؛ أنَّ الداعي إذا سلم على النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- ثمَّ أراد أن يدعو لنفسه؛ فإنه يستقبل القبلة ويدعو في مسجده، ولا يستقبل القبر عند السَّلام على النبي –صلى الله عليه وسلم- والدُّعاء له، هذا قول أكثر العلماء كمالك في إحدى الروايتين والشافعي وأحمد وغيرهم.
وعند أصحاب أبي حنيفة، لا يستقبل القبر وقت السلام عليه أيضاً، ثمَّ منهم من قال: يجعل الحجرة عن يساره-وقد رواه ابن وهب عن مالك- ويسلم عليه.
ومنهم من قال: بل يستدبر الحجرة، ويسلم عليه، وهذا هو المشهور عندهم، ومع هذا فكره مالك أن يطيل القيام عند القبر.
لذلك قال القاضي بن عياض في "المبسوط" عن مالك قال: لا أرى أن يقف عند قبر النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- يدعو، ولكن يسلم ويمضي.
¥