تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النبهاني؛ فإن الكلام عليها بمثل هذا الكلام الذي أوردته على هذه الآية خوفا من الإطالة، نعم يجب على المسلم التقي البارّ أن يتدبر في آيات القرآن الكريم, التي فصّلت هذه القضية, فشرحتها شرحا وافيا, ولم تترك أي شبهة قد يتمسك بها ممن لا عقل له، ولا ضمير, وقد فسدت قريحته, وخبثت فطرته بحكايات واهية كاذبة، وأرى من الضروري أن أورد هنا قصة غزوة أحد التي فيها عبر، ومواعظ، وما جرى فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم العصيب, وما جرى لأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين من محنة عظيمة شاقة, إنها قصة جهاد طويل, وجهود مباركة, أقدم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه، أخرج الإمامان البخاري ومسلم، وكذا الترمذي، وابن ماجه في سننيهما، والإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه" أن النبي صلى الله عليه وسلم كُسِرَتْ رباعيته يوم أحد، وشُجّ في جبهته، حتى سال الدم على وجهه, فقال صلى الله عليه وسلم: "كيف يُفلح قوم فعلوا بنبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم" فنزلت هذه الآية: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. ولقد عقد الإمام البخاري بابا في الجامع الصحيح بعنوان باب (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب الله عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)، ثم ذكر الحديث، وقال الحافظ في الفتح شارحا هذا الحديث: "قوله: وقال حميد، وثابت عن أنس: شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال: "كيف يفلح قوم شجوا بنيهم؟ " فنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمرِ شَيْءٌ}، ثم قال الحافظ: "وقال ابن إسحاق في المغازي: حدثني حميد الطويل عن أنس قال: كسرت رباعية النبي صلى الله عيه وسلم يوم أحد، وشج وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه, وجعل يمسح الدم وهو يقول: "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم" فأنزل الله الآية، ثم ذكر رواية مسلم، فقال: "وأما حديث ثابت فوصله مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: - وهو يسلت الدم عن وجهه - "كيف يفلح قو شجوا نبيهم"، فأنزل الله عز وجل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمرِ شَيْءٌ} الآية. وذكر ابن هشام في حديث أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم السفلى وجرح شفته السفلى، وأنّ عبد الله بن شهاب الزهري هو الذي شجه في جبهته، وأنّ عبد الله بن قمئه جرحه في وجنته، وأنّ مالك بن سنان مص الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده، فقال: "لن تمسك النار وروى ابن إسحاق من حديث سعد بن أبي وقاص قال: "فما حرصت على قتل رجل حرصي على قتل أخي عتبة بن أبي وقاص لما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد". وفي الطبراني من حديث أبي أمامة قال: "رمى عبد الله بن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فشج وجهه، وكسر رباعيته فقال: "خذها وأنا ابن قمئة" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - وهو يمسح الدم من وجهه -، "مالك أقمأك الله", فسلّط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعة قطعة" قلت: هكذا ترى وتشاهد في هذه القصة ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، وما تلفظ به صلى الله عليه وسلم عندئذٍ، وماذا كان جواب ربه جل وعلا في تلك الساعة. تدبر أيها المسلم في دعوة القرآن الكريم الصريحة الواضحة، البينة، وماذا جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل إنجازها، ونشرها، وإيصالها إلى الناس، إقرأ القرآن قراءة تدبر، وإمعان، وتفكير سليم، وافتح قلبك وضميرك لفهمهما، وتلقيهما، وإيّاك وخزعبلات النبهاني والكوثري، والدحلان، ومن سار على نهجهم في الكفر، والضلالة، ثم اقرأ قوله تعالى في سورة الأعراف مرة الثانية {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ثم تدبر قصة أحد، وما جرى فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم من محنة عظيمة، وما تلفظ به صلى الله عليه وسلم. فإنك ستجد بين هذه الآية الكريمة وبين قصة أحد تطابقاً كاملا، وموافقة تامة، وأن الله جل وعلا له حكمة بالغة، فيما جرى لنبيه صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ويوم حنين، ويوم الطائف قبل الهجرة.

أخرج مسلم في الصحيح وأبو داود والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في سننهم ومالك في موطئه، والإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه، وجاء فيه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، وقال مرة: لعبدي ما سأل، فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال: حمدني عبدي. فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: قال: مجدني عبدي، أو أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}: قال: فوّض إليّ عبدي، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: فهذه بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، وقال مرة: ما سألني عبدي" ثم ذكر الحديث قلت: فالشاهد في هذا الحديث الصحيح واضح بيّن، وهو عهد قطعه العبد على نفسه، إياك نعبد وإياك نستعين، فالقرآن كله دائر حول هذا العهد, وأنه محور أساسي على صلاح الأعمال، والعقائد, والعبادات, إن صح هذا العهد مع المولى جل وعلا فسوف تصح الأعمال كلها فصلحت الإنسانية به، وإن انتقض كما هو دأب النبهاني، والدحلان، والكوثري وغيرهم وهم كثير، - لا أكثرهم الله تعالى - فسدت الإنسانية كلها بانتقاضها إياه، فحلّت المصائب الكبرى عليها من مرض، وفقر، وجهل, وغير ذلك من المصائب الاجتماعية, والأمراض الفتاكة, والويلات، والحروب، وسفك الدماء، وللمقال بقية في الحلقة القادمة - إن شاء الله تعالى -, وصلى الله عليه وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير