تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي) متفق عليه.

ثالثاً: دليل الإجماع: يقول الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتابه "الاستذكار الجامع لمذاهب الأمصار" تعليقا على حديث الجارية المتقدم" فعلى ذلك جماعة أهل السنة، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه، وسائر نقلته، كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه: {الرحمن على العرش استوى} (طه:5)، وأن الله - عز وجل - في السماء وعلمه في كل مكان ". وقال الإمام البغوي: " أهل السنة يقولون الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به ويكل العلم به إلى الله عز وجل ".

وقال أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - كما في الإبانة (1/ 39) " إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل له: نقول: إن الله - عز وجل - يستوي على عرشه استواء يليق به ".

وقال أبو مطيع البلخي في كتاب "الفقه الأكبر": سألت أبا حنيفة عمن يقول لا أعرفربيفيالسماءأوفيالأرض، قال: كفر؛ لأناللهيقول: {الرحمن على العرش استوى} (طه:5)، وعرشه فوق سبع سمواته، فقلت: إنه يقول على العرش، ولكنلاأدرىالعرشفيالسماءأوفيالأرض، فقال: إنهإذا أنكرأنهفيالسماءكفر، لأنهتعالىفيأعلىعليين، وأنهيُدعىم نأعلىلامنأسفل ". وهذا النقول تؤكد صراحة أن السلف مجمعون على أن الله – كما أخبر – عال على خلقه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله.

رابعاً: دليل الفطرة: وملخصه أن النفوس بفطرتها تقبل على طلب العلو عند توجهها إلى ربها بالدعاء، ودليل فطرية هذا الإقبال استواء الناس فيه فيستوي فيه العالم والجاهل والذكر والأنثى إلا من تلوثت فطرته بكلام أهل الكلام، ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس إمام الحرمين وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله تعالى ولا عرش وهو الآن على ما كان، فقال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا فإنه ما قال عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة عن أنفسنا؟ قال: فلطم الإمام على رأسه ونزل .. وقال: حيرني الهمداني.

خامساً دليل العقل: وبيانه أن الله موجود ووجوده وجود حقيق لا ذهني، وعليه فهو إما أن يكون داخل العالم، أو خارجه، وهو قطعاً ليس داخل العالم لاستحالة أن يحل في الخلق أو يتحد بهم، فلم يبق إلا أن يكون خارج العالم، وما دام خارج العالم فإما أن يكون محيطاً بالعالم وهو باطل، لأنه يلزم منه أن يكون بعضه فوق وبعضه تحت متصفاً بالسفل، وإما أن يكون في أحد الجهات، وليس هناك جهة كمال في الجهات الست سوى جهة العلو، وبما أن الله متصف بالكمال المطلق فأكمل الجهات على الإطلاق هي جهة العلو فوجب وصف الله بها، وبهذا يظهر التوافق بين العقل والنقل في هذه المسألة، أما القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه لا متصل به ولا منفصل عنه فقول يخرج عن قول العقلاء فلا يلتفت إليه.

شبهات من أنكر استواء الله على عرشه واتصافه بالفوقية:

تلك كانت بعض أدلة أهل السنة، الذين أثبتوا استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه، أما شبهات من نفى صفة العلو والاستواء، فمردها جميعاً إلى قاعدة التنزيه، وهي القاعدة التي قضت بنفي مشابهة المخلوقين للخالق سبحانه، وتفرده في ذاته وصفاته وأفعاله، وهي قاعدة متفق عليها بين المسلمين إلا أن البعض غلا في استعمالها حتى نفى جميع أو بعض أسماء الله وصفاته.

حيث قالوا: إن الله - عز وجل - قد قال في كتابه: {ليس كمثله شيء} وهذا نفي بإطلاق لأي مشابهة بين الخالق والمخلوق، وإثبات أن الله مستو على عرشه عال على خلقه فيه تشبيه للخالق بالمخلوق من حيث أنه يلزم مثبت الاستواء أن يثبت أن الله جسم، وأنه في جهة، وأنه محدود محصور، والله منزه عن ذلك كله فلو كان جسماً لكان مركباً، ولو كان مركباً لكان بعضه محتاج إلى بعض، ولو كان في جهة ما لكان محصوراً، ولو كان محصوراً لاستوجب أن يكون هناك من حصره، وإذا كان مستو على عرشه لكان له مكان، ولو كان له مكان لكان محتاجا إليه، والله كان ولا مكان وهو الآن على ما كان عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير