وخطأ القائلين بأن ما طلبه الصحابة كفرا هو عدم اعتنائهم بالقاعدتين اللتين تقدمتا في هذا البحث.
وإليك كيف هي طريقتهم في الوصول الى فهمهم السقيم:
قالوا: ذات أنواط وثن.
وطلب البركة من الوثن شرك.
إذا: من طلب البركة من ذات أنواط فهو مشرك.
ثم انهم بعد ذلك تكرموا واعذروهم بالجهل لأن الحديث فيه كما تقدم-حديثو عهد بكفر-.
وهذا غلط شنيع وإن قاله بعض الفضلاء وإليك البيان:
في سنن ابن ماجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مدمن الخمر كعابد وثن"وسنده حسن.
فهل يعني هذا أن مدمن الخمر مشرك؟
الجواب: لا.
وسب ذلك أن المشابهة لا تستلزم المطابقة التي تستلزم الحكم الغائي للمشبه به، ولفهم هذا الكلام انظر القاعدة الثانية في المقدمات.
وإليك أقوال السابقين من العلماء في فهم الحديث:
قال الشاطبي رحمه الله تعالى: فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله، لا أنه هو بنفسه، فلذلك لا يلزم الاعتبار بالمنصوص عليه ما لم ينص عليه مثله من كل وجه. (الاعتصام2/ 246).
وتأمل كلمة الإمام الشاطبي: "لا يلزم الاعتبار بالمنصوص عليه، ما لم ينص عليه مثله من كل وجه.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد قال بعد أن ساق الحديث السابق وذكر محاسن الباب صار إلى قوله الى الحسنة التالية: الحادي عشرة: أن الشرك فيه أكبر وأصغر لأنهم لم يرتدوا بهذا.
فقد جعل طلبهم من الكفر الأصغر كما هو واضح.
وفي الفائدة الرابعة عشر جعل علة المنع من باب سد الذرائع، فارجع اليها هناك لتراها.
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ويسمونها ذات أنواط فقال بعض الناس "يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: الله أكبر قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم".
قال: فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم الكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها معلقين عليها سلاحهم، فكيف بما هو أطم من ذلك من مشابهتهم المشركين أو هو الشرك بعينه؟
فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم تستجب الشريعة ذلك فهو من المنكرات وبعضه أشد من بعض سواء كانت البقعة شجرة أو غيرها أو قناة جارية أو جبلا أو مغارة وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعو عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو لينسك عندها، بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عينا ولا نوعا. (اقتضاء الصراط المستقيم2/ 644).
يقول عمر بن محمود: تأمل هذه الكلمة من هذا الإمام واعقلها حق العقل تعرف فساد ما عليه من لا يرى الأمور إلا على مرتبة واحدة، وتعرف فيها انحراف من جعل القبوريين مرتبة واحدة، وفساد من لم ير في طلب الصحابة الا الكفرلقوله صلى الله عليه وسلم في احتجاجه بالآية: "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" وكلام الشيخ ابن تيمية واضح في أن هؤلاء الصحابة لم يطلبوا شركا ولا كفرا، وإنما شابهوا المشركين مجرد مشابهة.
ولو سأل سائل: ماهي هذه المشابهة؟
فالجواب:
اعلم يا عبد الله أن الله تعالى جعل في مواطن من الأرض البركة، وقد طلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه في اتخاذ مقام ابراهيم عليه السلام مصلى، وقد أجيب طلبه كما الحديث الذي في البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه: وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام ابراهيم مصلى؟ فنزلت "واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى" الحديث.
ومن طلب من الله تعالى أن يجعل في مكان ما البركة لعمل من الأعمال لا يكون قد طلب شركا، وهؤلاء الصحابة طلبوا ذات أنواط، أي مكانا يعلقون فيه أسلحتهم لتحصل فيها البركة.
ولما كان هذا الطلب فيه مشابهة للمشركين كما هو في الظاهر من الحديث، وكما هو فهم ابن تيمية والشاطبي، والمشركون يعتقدون في المكان أن فيه البركة استقلالا أو ادعاء على الله وكذبا، منع منه المسلمون.
لكن لو قيل: فكيف قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلتم كما قالت بنوا اسرائيل "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة".
فالجواب: هذا كله من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه أو ببعضه (كما تقدم في المقدمة الثانية)، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم لرجل قال له: ما شاء الله وشئت.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلتني لله ندا؟
والجاهل يحمل هذا على الشرك الأكبر، لقوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الشرك: أن تجعل لله ندا وهو خلقك.
وهو كقوله تعالى: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه".
إذ الجاهل يرى أن كل من اتبع هواه، في أي عمل على خلاف الشريعة، كالسارق والزاني هو مشرك لأنه اتخذ هواه إلها.
وهو قول باطل عار من دين الله تعالى
ـ[المجدد]ــــــــ[16 - 02 - 07, 10:05 م]ـ
الأخ أبو حمدان
هل ترى أن الكفر الأصغر هو الشرك الأصغر؟
انتظرك
¥