فإن خالق المادة لا يكون مادة،وما لم يكن مادة فكيف تشبهه المادة،وهل يشبه ما ليس بمادة بما هو بمادة؟ فلذا قضى العقل باستحالة أن يشبه الخالق بمخلوقاته.
ومن هنا فإن المؤمنون يصفون ربهم بكل ما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله-صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ولا يتحرجون من ذلك أبداً.
فيقولون:
............
إن الله يسمع ويبصر ويحب ويبغض، وخلق بيديه، واستوى على عرشه، ويجيء لفصل القضاء، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، وكلم موسى - عليها السلام - وذلك لأمور:
أحدها:
..........
أنه ما دام تعالى قد وصف نفسه بهذه الصفات، ووصفه بها رسوله –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-وهو أعلم الناس به تعالى، لم يبق إذاً من معنى للتحرج في وصفه تعالى بذلك، إذ لو لم يكن ذلك جائزاً ومشروعاً لنهى عنه تعالى في كتابه، وحرمه على لسان رسوله-صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم-كما حرم تكذيبه والكذب عليه ووصفه بما هو براء منه من سائر الأوصاف والنقائص المنافية للكمالات الإلهية: كأن يكون له صاحبه أو ولد، أو شريك في الملك، أو ولي من الذل.
وثانيهما:
............
أنهم عندما يصفون ربهم بصفاته التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله-صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم- هم يعلمون يقينا أن هذه الصفات محال أن يكون شيء منها يشبه صفات المخلوقين؛ للفرق كبير والبون الواسع بين الخالق والمخلوق.
فإذا وصف الله تعالى نفسه بأن له يداً، ووصفه المؤمنون بها، فليس معنى ذلك أن يد الله تشبه يد الإنسان، وأن المؤمن يخطر على باله أن شبهاً ما بين يد الخالق ويد المخلوق، لا والله؛ لأن الفرق بين يد الله تعالى الخالق ويد الإنسان المخلوق كما بين ذات الله تعالى الخالق، وذات الإنسان المخلوق.
إذاً فلا مشابهة بين يد الخالق ويد المخلوق البتة، ولذا فالمؤمنون لا يؤولون صفات الله تعالى ولا يحرفونها أو يعطلونها خوفاً من التشبيه.
لأنهم يعلمون أن الشبه بين صفات الخالق وصفات المخلوق محال عقلاً وشرعاً، ولا واقع له في الخارج أبداً ولذا هم يعدون من الكذب والباطل أن يشبه المرء الخالق عز وجل بالمخلوقين أو يشبه صفاته تعالى بصفاتهم.
وذلك كأن يقول:
.....................
يد الله كيد الإنسان، أو عين الله مثل عين الإنسان، أو استواء الله على عرشه كاستواء الإنسان على عرشه مثلا،إذ هذا كله ومثله باطل لا واقع له في الخارج أبداً، وهو كذب بحت وافتراء محض؛ وذلك لقضاء العقول باستحالة وجود شبه ما بين الخالق والمخلوق في الذات والصفات والأفعال.
وثالثها:
...........
أن العقول السليمة لا تحيل إٍٍٍٍطلاق لفظ صفة لذات من الذوات، وبإطلاق ذلك اللفظ لتلك الصفة على ذات أخرى مع انعدام الشبه تماماً بين الصفتين وبين الذاتين الموصوفتين بهما، وذلك كلفظ الرأس: فإنه يطلق على المال والإنسان فيقال رأس المال ويقال رأس الإنسان ولا شبه بينهما البتة، وذلك لانعدام الشبه بين الذاتين الموصفتين بهما.
وهذا لفظ العين: يطلق إطلاقات، فيقال عين الشمس، وعين الماء، وعين الحيوان، ولا شبه بين تلك الذوات التي أطلق عليها لفظ العين المشترك بينها إلا في مجرد الاسم فقط.
وأخيراً:
فهداية المؤمنين في هذه العقيدة عقلية ودينية:
.................................................. .........
فالعقلية:
..............
هي استحالة إدراك كنه ذات الله تعالى وكنه صفاته؛ لأن ذات الرب تعالى ليست مادة؛ فتدرك وصفاته من ذاته، ومتى استحال إدراك كنه الذات استحال كذلك إدراك كنه الصفات
والدينية الشرعية:
.........................
هي إخباره تعالى بأنه ليس كمثله شيء، وأنه لم يكن له كفواً أحد، وأن الخلق لا يحيطون به علماً، مع وصفه تعالى لنفسه بصفات شتى:
ذاتية:
...........
كالسمع والبصر، واليد، والعين، والرضا، والغضب، والحب، والسخط.
وفعلية:
.............
كالمجيء، والنزول، والخلق باليد، والاستواء على العرش. وما إلى ذلك مما ورد من الصفات في الكتاب الكريم والسنة الشريفة معاً.
خلاصة:
............
¥