قال ابن القيم في"الصواعق": "فالناس كانوا طائفتين سلفية وجهمية فحدثت الطائفة السبعية - الأشاعرة - واشتقت قولاً بين القولين فلا للسلف أثبتوا ولا مع الجهمية بقوا.
وقالت طائفة أخرى: ما لم يكن ظاهره جوارح وأبعاض كالعلم والحياة والقدرة والإرادة والكلام لا يتأول, وما كان ظاهره جوارح وأبعاض كالوجه واليدين والقدم والساق والإصبع؛ فإنه يتعين تأويله لاستلزام إثباته التركيب والتجسيم. قال المثبتون: جوابنا لكم بعين الجواب الذي تجيبون به خصومكم من الجهمية والمعتزلة نفاة الصفات؛ فإنهم قالوا لكم لو قام به سبحانه صفة وجودية كالسمع والبصر والعلم والقدرة والحياة لكان محلاًً للأعراض، ولزم التركيب والتجسيم والانقسام كما قلتم لو كان له وجه ويد وأصبع لزم التركيب والانقسام. فما جوابكم لهؤلاء نجيبكم به! فإن قلتم: نحن نثبت هذه الصفات على وجه لا تكون أعراضاً ولا نسميها أعراضاً فلا يستلزم تركيباً ولا تجسيماً.
قيل لكم: ونحن نثبت الصفات التي أثبتها الله لنفسه إذ نفيتموها أنتم على وجه لا يستلزم الأبعاض والجوارح, ولا يسمى المتصف بها مركباً ولا جسماً ولا منقسماً. فتأمل ().
وكذلك ما قرره في "تهذيب السنوسية" (ص34): وجود الله ليس كوجود الحوادث لأن وجود الله ذاتي له أي ليس بتأثير مؤثر وفعل فاعل ووجود الحوادث يتأثير الله وفعله.
ونحن نقول لك كذلك القول في الذات كالقول في الصفات، فكما أنك فارقت بين أصل وجود الله ووجود الحوادث وإن اشتركا في أصل الوجود، فكذلك يلزمك إثبات صفات الله تعالى على ما يليق بجلاله من الصفات الخبرية وغيرها وإن اشتركت في اللفظ.
قلت: وهذا من التناقضات في مذهب الأشعري.
ثالثاً: قرر المعترض في أكثر من موضع في كتبه أن الله لا تقوم به الأفعال الاختيارية والتي بعبر عنها أهل الكلام بقيام الحوادث ثم تجده يعتذر لبعض علماء الأشاعرة في إثباتهم قيام الحوادث بالله.
قال في "بيان الزائف" (ص134): والحاصل من هذا كله أن القول بتعلق حادث بالعلم لا موجب له، ويرد عليه إشكالات عديدة ونسبة ذلك للمتأخرين من أهل السنة لا أراه صحيحاً! وعلى كل الأحوال فمن نسب إلى بعض علماء أهل السنة التعلق التنجيزي الحادث للعلم فهو نسب إليهم أيضاً تعلقاً قديماً بكل ما كان وبكل ما يكون، حتى بنفس ما يتعلق به الحادث فهو لم ينف التعلق القديم الشامل.
رابعاً: قال في "بحوث في علم الكلام" (ص59): وإذا علم أن الوصول إلى حقيقة ذات الله مستحيل والدليل على أن حقيقة ذاته لا يمكن أن تكون معلومة لنا.
ثم ناقض نفسه بقوله: وأما ما ذكر عن القاضي أبي بكر ومن تبعه أنه قال أن الذات يمكن بلوغ حقيقتها فالخلاف لفظي!
خامساً: أنكر في "كاشفه" (ص71) على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما نقل شيخ الإسلام عن بعض أهل الإثبات أنهم يثبتون لله الإدراكات من الذوق والشم واللمس مع أنه ناقل وليس مقرر لذلك؛ شنع فودة عليه وحاول أن يلصق هذا القول بشيخ الإسلام مع أنه قول الأشاعرة.
قال البيجوري في "شرح الجوهرة" (121): "والإدراك في حق الحادث هو تصور حقيقة الشيء المدرك, وأما في حقه تعالى على القول به فهو صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تسمى الإدراك. قيل: إنه يدرك بها كل موجود. وقيل: يدرك بها الملموسات كالنعومة, والمشمومات كالروائح, والمذوقات كالحلاوة من غير اتصال بمحالها التي هي الأجسام, ولا تكيف بكيفيتها لأن الاتصال والتكيف إنما هو عادي في حصول الإدراك وقد ينفك.
وقد صرح بعض المتأخرين بأنها صفة واحدة لكن الواقع في كتب علم الكلام أنها ثلاث صفات: إدراك الملموسات, وإدراك المشمومات, وإدراك المذوقات, ودليل المثبتين لها كالباقلاني وإمام الحرمين بأنها كمال, وكل كمال واجب لله.
لأنه لو لم يتصف بها لا تصف بضدها, وهو نقص, والنقص عليه تعالى محال؛ فوجب أن يتصف بها على ما يليق به من غير اتصال بالأجسام ومن غير وصول اللذات, والآلام له تعالى.
فما رأي هذا المعترض بهذا الكلام عن أرباب علماء الأشاعرة؟!
ثم ناقض نفسه فنقل الخلاف عند الأشاعرة في أنه هل للمولى تعالى صفة زائدة على السبع المعاني تسمى الإدراك يدرك بها الملموسات والمذوقات والمشمومات لأنها كمال, وكل كمال يجب أن يثبت له! ()
¥