وأخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب "السنة" من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت: الاستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, والإقرار به إيمان, والجحود به كفر.
ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل كيف استوى على العرش؟ فقال: الاستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, وعلى الله الرسالة، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم.
وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي قال: كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله على عرشه, ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته.
وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي أنه سئل عن قوله تعالى: {الرحمنُ عَلى العَرشِ استوى} فقال: هو كما وصف نفسه.
وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله: {الرحمنُ عَلى العَرشِ استوى}. كيف استوى؟ فأطرق مالك فأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه, ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وما أراك إلا صاحب بدعة أخرجوه. ومن طريق يحيى بن يحيى عن مالك نحو المنقول عن أم سلمة لكن قال فيه: والإقرار به واجب والسؤال عنه بدعة.
وأخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال: كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحددون ولا يشبهون, ويروون هذه الأحاديث ولا يقولون كيف. قال أبو داود: وهو قولنا. قال البيهقي: وعلى هذا مضى أكابرنا.
وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن؛ وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله ? في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير؛ فمن فسر شيئاً منها, وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي ? وأصحابه, وفارق الجماعة لأنه وصف الرب بصفة لا شيء.
ومن طريق الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي ومالكاً والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف.
وأخرج ابن أبي حاتم في "مناقب الشافعي" عن يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول: لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها, ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر, وأما قبل قيام الحجة؛ فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل, ولا الرؤية والفكر، فنثبت هذه الصفات, وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال: {لَيسَ كَمِثلهِ شَيءٌ}.
وأسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن أبي الحواري عن سفيان بن عيينة قال: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه؛ فتفسيره تلاوته والسكوت عنه.
ومن طريق أبي بكر الضبعي قال: مذهب أهل السنة في قوله: {لَيسَ كَمِثلهِ شَيءٌ} قال: بلا كيف, والآثار فيه عن السلف كثيرة, وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل. فهؤلاء هم السلف مذهبهم الإثبات وليس التأويل!
من تناقضات المعترض
أولاً: قال في "الموقف" (ص11): فالتحاور كان ضرورياً وسيظل ضروريا بين هذه المذاهب، وذلك لعدة أسباب: أولها أنهم جميعاً بنتمون إلى دين واحد، وثانياً: أن الأصل فيهم جميعاً حسن القصد والتوجه إلى إعلاء هذا الدين. ثم تجده يطعن في النيات والسرائر وخصوصاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما سيأتي بيانه.
ثانياً: قال في "الفرق العظيم" (ص15): فمثلاً إذا ورد في النقل أن الله سميع وكان ما يفهمه عامة الناس من ظاهر السمع هو اتصال الأمواج الصوتية بطبلة الأذن ثم انتقال الموجات من خلال السائل السمعي إلى الدماغ وتفسيرها هناك، فلا يجوز أن نقول بنفي أصل هذه الكلمة بحجة أنه يلزم منها النقص بل نحن نثبت أصلها أي مطلق السمع أن الله سميع، وننفي أن يكون له أذن مثلاً وننفي أن يكون له عضو يحصل بواسطته السمع، بل وننفي أن يكون أصل سمع الله تعالى مثل سمعنا.
وقال في "تهذيب شرح السنوسية" (ص52): فله أيضاً صفة هي السمع؛ وسمعه بلا عضو ولا جارحة كما هو في المخلوق وكذا يقال في بصره.
قلت: وأهل السنة لما أثبتوا لله صفات الكمال من الصفات الخبرية، مثل اليد والوجه والإصبع وغيرها التي وردت في الكتاب والسنة؛ فلا يجوز لأحد أن ينفيها بالتأويل والتحريف بحجة أنه يلزم منها النقص، بل نثبت أصلها وننفي ما يتخيله الإنسان من هذه الصفات من اللوازم الباطلة؛ فما تجيب به المعتزلة الذين ألزموكم بالجارحة والعضو من إثباتكم السمع والبصر, وأنه لا يفهم منها إلا العضو والجارحة نجيبكم به.
¥