1 - إن لفظ الجسمية لم يثبته شيخ الإسلام ولم ينفه حتى يستفصل عن معناه.
2 - إن من نفاه أراد نفي صفات الله, وأن من أثبته أراد إثبات الصفات لله مع التوقف في هذا اللفظ.
3 - إن هذا اللفظ من ألفاظ المتكلمين التي يضطر أهل السنة للتكلم بألفاظهم للرد عليهم.
4 - إن شيخ الإسلام يناقش أهل الكلام باصطلاحاتهم وينقض أقوالهم بأقوالهم وقواعدهم التي يتحاكمون إليها.
15 - قال المعترض في "كاشفه" (ص85): وابن تيمية كما تراه يحاول بكل قواه أن يدلل على أن الفطرة هي الإسلام , وذلك ليتخذ كل ما يسميه بالفطرة دليلاً على ما يريد من عقائد التجسيم، فيقول مثلاً إن الإنسان بفطرته يعتقد أن الله فوق الخلق مريداً إثبات الجهة لله تعالى ... ثم قال: وهكذا فتصبح الفطرة في يديه سلاحاً للتجسيم.
وللرد على هذه الفرية أقول مستعينا بالله:
أولاً: إن أول من عرف عنه إنكار المعرفة بالفطرة هم أهل الكلام الذين اتفق السلف على ذمهم من الجهمية والقدرية, وهم عند سلف الأمة من أضل الطوائف وأجهلهم ().
وهو كذلك قول المعتزلة ()، وذلك إنكاراً لقول أهل السنة في أن معرفة علوه على عرشه مغروس في فطر العباد.
ثانياً: إن تفسير شيخ الإسلام بأن الفطرة الإسلام والتوحيد مسبوقاً بكلام من سبقه من أهل العلم, وهو ليس ببدع من القول, وعليه تدل الأدلة الكثيرة من كتاب الله تعالى وسنة النبي ?.
قال ابن عبد البر مبيناً اختلاف العلماء في معنى الفطرة: "الفطرة المذكورة في هذا الحديث اختلف العلماء فيها واضطربوا في معناها وذهبوا في ذلك مذاهب متباينة, ونزعت كل فرقة منهم في ذلك بظاهر آية ونص وسنة.
وقال آخرون: الفطرة ها هنا الإسلام قالوا: وهو المعروف عند عامة السلف من أهل العلم بالتأويل قد أجمعوا في قول الله عز وجل: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، على أن فطرة الله دين الله الإسلام ().
فالمسألة خلافية, وأكثر السلف على ما قرره شيخ الإسلام.
ثالثاً: تعقب شيخ الإسلام ابن عبد البر في ترجيحه للفطرة بما رجحه النظار, وبين أن الصواب قول السلف في تعريف الفطرة بالإسلام، واستدل رحمه الله بالحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم في "صحيحه": ((إني خلقت عبادي حنفاء)) (). والحنيف هو المسلم كما رجح ذلك ابن عبد البر ().
قال شيخ الإسلام: وقول النبي ? في الحديث الصحيح: ((كل مولود يولد على الفطرة)) , وقوله فيما يرويه عن ربه: ((خلقت عبادي حنفاء)) , ونحو ذلك لا يتضمن مجرد الإقرار بالصانع فقط؛ بل إقرار تبعه عبودية الله بالحب والتعظيم وإخلاص الدين له, وهذا هو الحنيفية, وأصل الإيمان قول القلب وعمله أي علمه بالخالق, وعبوديته للخالق والقلب مفطور على هذا ().
قلت: وإلى هذا جنح الإمام أحمد و البخاري وعامة السلف ورجحه ابن حجر وغيره من العلماء. قال البخاري: قال ابن شهاب: يصلى على كل مولود متوفى, وإن كان لغية من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام (). وقال البخاري أيضاً: والفطرة الإسلام ().
ونقل ابن حجر عن محمد بن نصر المروذي: أن آخر قولي الإمام أحمد أن المراد بالفطرة الإسلام.
وقال ابن حجر: وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام، قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف.
وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، الإسلام. واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب: اقرؤوا إن شئتم فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}. وبحديث عياض بن حمار عن النبي ? فيما يرويه عن ربه: ((إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين عن دينهم)) ().
وقال ابن القيم: ليس المراد بقوله" "يولد على الفطرة" أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين لأن الله يقول: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} , ولكن المراد أن فطرته مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته؛ فنفس الفطرة تستلزم الإقرار والمحبة, وليس المراد مجرد قبول الفطرة، لأنه لا يتغير بتهويد الأبوين مثلاً بحيث يخرجان الفطرة عن القبول, وإنما المراد أن كل مولود يولد على إقراره بالربوبية لو خلي؛ وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره، كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من ارتضاع اللبن حتى يصرفه عنه الصارف , ومن ثم شبهت الفطرة باللبن بل
¥