2 - أنه قديم أزلي قائم بذات الله كحياته وعلمه, ولذا فهو لا يتعلق بمشيئة الله وقدرته ولا يتكلم إذا شاء متى شاء.
3 - أنه معنى واحد لا يتجزأ هو الأمر بكل مأمور, والنهي عن كل منهي عنه, والخبر عن كل مخبر عنه؟ إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً, وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة, وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً.
4 - إن القرآن عبارة عن كلام الله وهو مخلوق أتى به جبريل أو محمد ? أو أوجده في الهواء أو في اللوح المحفوظ.
5 - أن تكليم الله لملائكته، وتكليمه لموسى, وتكليمه لعباده يوم القيامة, ومناداته لمن ناداه إنما هو خلق إدراك في المستمع أدرك به ما لم يزل موجوداً ().
وللرد عليهم نبين:
كيف نشأ مذهب الأشاعرة
كان الناس قبل ابن كلاب – شيخ الأشعري – في الصفات على قولين:
الأول: قول أهل السنة الذين يثبتون جميع الصفات كالعلم والحياة والقدرة والإرادة والكلام والوجه واليدين والعين والمجيء، دون أن يفرقوا بين صفات الذات, وصفات الفعل المتعلقة بمشيئته وقدرته.
والثاني: قول الجهمية والمعتزلة الذين ينفون جميع هذه الصفات دون تفريق.
ولم يكن هناك قول ثالث حتى جاء ابن كلاب فأثبت الصفات المعنوية والذاتية كالعلم والإرادة والكلام والوجه واليدين, ونفى ما يتعلق بمشيئته وإرادته من الصفات الاختيارية, وتبعه على ذلك الأشعري وجمهور الأشاعرة.
قال شيخ الإسلام: "ولكن هذا القول أول من قاله في الإسلام عبد الله بن كلاب؛ فإن السلف والأئمة كانوا يثبتون لله تعالى ما يقوم به من الصفات والأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته, والجهمية تنكر هذا وهذا؛ فوافق ابن كلاب السلف على القول بقيام الصفات القديمة, وأنكر أن يقوم به شيء يتعلق بمشيئته وقدرته.
وجاء أبو الحسن الأشعري بعده, وكان تلميذاً لأبي علي الجبائي المعتزلي ثم إنه رجع عن مقالة المعتزلة, وبين تناقضهم في مواضع كثيرة, وبالغ في مخالفتهم في مسائل القدر والإيمان والوعد والوعيد حتى نسبوه بذلك إلى قول المرجئة والجبرية والواقفة, وسلك في الصفات طريقة ابن كلاب, وهذا القول في القرآن هو قول ابن كلاب في الأصل, وهو قول من اتبعه، كالأشعري وغيره ().
وقد نقل شيخ الإسلام عن أبي نصر السجزي في رسالته المعروفة إلى أهل زبيد والتي تسمى باسم "الرد على من أنكر الحرف والصوت"؛ بين فيه نشأة قول ابن كلاب ومن اتبعه في كلام الله، فقال: "اعلموا - أرشدنا اله وإياكم - أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والأشعري, وأقرانهم الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة, وهم معهم ... ، من أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً ذا تأليف واتساق , وإن اختلفت به اللغات.
وعبر عن هذا المعنى الأوائل الذي تكلموا في العقليات , وقالوا: الكلام حروف متسقة وأصوات مقطعة وقالت - يعني علماء العربية -: الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى؛ فالاسم مثل زيد وعمرو والفعل مثل جاء وذهب, والحرف الذي يجيء لمعنى مثل هل وبل وقد, وما شاكل ذلك فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفاً وصوتاً؛ فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه , وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل, وهم لا يخبرون أصول السنة, ولا ما كان السلف عليه , ولا يحتجون بالأخبار الواردة في ذلك زعماً منهم أنها أخبار آحاد, وهي لا توجب علماً, وألزمتهم المعتزلة الاتفاق على أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف وصوت ويدخله التعاقب والتأليف, وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون, ولا بد له من أن يكون ذا أجزاء وأبعاض, وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله تعالى لأن ذات الحق لا توصف بالاجتماع والافتراق والكل والبعض والحركة والسكون وحكم الصفة الذاتية حكم الذات.
قالوا: فعلم بهذه الجملة أن الكلام المضاف إلى الله تعالى خلق له أحدثه, وأضافه إلى نفسه كما نقول: خلق الله وعبد الله وفعل الله.
¥