24 - لما أنكر الأشاعرة القول أن الله يخلق لحكمة جرهم ذلك إلى إنكار طبائع الأشياء بل كفروا من اعتقد أن شيئاً من الأسباب يؤثر بطبعه.
قال المعترض في "تهذيب شرح السنوسية" (ص122): إن من اعتقد أن تلك الأسباب تؤثر فيما قارنها بطبع أو علة فلا خلاف في كفره.
قلت: وهم بذلك خالفوا المعقول والمحسوس.
قال ابن حزم رحمه الله:
ذهبت الأشعرية إلى إنكار الطبائع جملة, وقالوا ليس في النار حر ولا في الثلج برد ولا في العالم طبيعة أصلاً, وقالوا إنما حدث حر النار جملة وبرد الثلج عند الملامسة. قالوا ولا في الخمر طبيعة إسكار, ولا في المني قوة يحدث بها حيوان, ولكن الله عز وجل يخلق منه ما شاء وقد كان ممكناً أن يحدث من مني الرجال جملاً, ومن مني الحمار إنساناً ومن زويعة الكزبر نخل.
قال أبو محمد:
ما نعلم لهم حجة شغبوا بها في هذا الهوس أصلاً، وقد ناظرت بعضهم في ذلك فقلت له أن اللغة التي نزل بها القرآن تبطل قولكم لأن من لغة العرب القديمة ذكر الطبيعة والخليقة والسليقة والنجيزة والغريزة والسجية والسيمة والجبلة بالجيم, ولا يشك ذو علم في أن هذه الألفاظ استعملت في الجاهلية وسمعها النبي ? فلم ينكرها قط ولا أنكرها أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا أحد ممن بعدهم حتى حدث من لا يعتد به.
وقد قال امرؤ القيس:
.............................. وإن كنت قد ساءتك مني خليقة
وقال حميد بن ثور الهلالي الكندي:
لكل امرئ يا أم عمرو طبيعة وتفرق ما بين الرجال الطبائع
وقال النابغة:
لهم سيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير عوازب
وقال رسول الله ? للجارود إذا أخبره أن فيه الحلم والأناة فقال له الجارود: الله جبلني عليهما يا رسول الله. فقال رسول الله ?: ((بل الله جبلك عليهما)) ().
ومثل هذا كثير وكل هذه الألفاظ أسماء مترادفة بمعنى واحد عندهم وهو قوة في الشيء يوجد بها على ما هو عليه؛ فاضطرب ولجأ إلى أن قال أقول بهذا في الناس خاصة. فقلت له: وأنى لك بالتخصيص, وهذا موجود بالحس وببديهة العقل في كل مخلوق في العالم فلم يكن عنده تمويه.
قال أبو محمد: وهذا المذهب الفاسد حداهم على أن سموا ما تأتي به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الآيات المعجزات خرق العادة؛ لأنهم جعلوا امتناع شق القمر وشق البحر وامتناع إحياء الموتى وإخراج ناقة من صخرة وسائر معجزاتهم إنما هي عادات فقط.
وكل هذه الطبائع والعادات مخلوقة خلقها الله عز وجل فرتب الطبيعة على أنها لا تستحيل أبداً، ولا يمكن تبدلها عند كل ذي عقل كطبيعة الإنسان بأن يكون ممكناً له التصرف في العلوم والصناعات إن لم يعترضه آفة, وطبيعة الحمير والبغال بأنه غير ممكن منها ذلك, وكطبيعة البر أن لا ينبت شعيراً ولا جوزاً, وهكذا كل ما في العالم والقوم مقرون بالصفات وهي الطبيعة نفسها لأن من الصفات المحمولة في الموصوف ما هو ذاتي به لا يتوهم زواله إلا بفساد حامله وسقوط الاسم عنه؛ كصفات الخمر التي إن زالت عنها صارت خلاً وبطل اسم الخمر عنها، وكصفات الخبز واللحم التي إذا زالت عنها صارت زبلاً وسقط اسم الخبز واللحم عنهما وهكذا كل شيء له صفة ذاتية، فهذه هي الطبيعة ... فهذه هي حقيقة الكلام في الصفات وما عدا ذلك فطريق السوفسطائية الذين لا يحققون حقيقة ونعوذ بالله من الخذلان ().
مسائل أخرى تدل على جهله بعلم الأثر
قال في "الفرق العظيم" (ص45): هذا الرسول عليه السلام لما أخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن سؤال القبر وما يلاقي فيه الإنسان من أهوال قال له عمر: أيكون عقلي معي؟ قال: نعم. فقال: إذن أكفيكهما. فقال رسول الله ?: ((إن عمر لموقن مصدق)).
ومصدره في هذا الحديث الشيخ عليش في شرحه على "عقيدة التوحيد", فيصلح أن يقال فيه: رواه عليش ()!
وقال في (ص43): ماذا تقول في قول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لو كانت إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها لما أمنت مكر الله!
قلت: وهذا يدل من فودة على تبحر في علم الآثار والأحاديث!
¥