تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمقصود بأخلاق الله: صفات الله تعالى. ومع أن العبارة غير شرعية، فإنها كذلك مطلقة غير مقيدة، حيث تتضمن: دعوى قدرة الإنسان على اكتساب كامل صفات الله تعالى. فإنهم لم يفرقوا بين ما يقدر عليه، وهو مشروع (الحلم والكرم وما لا يقدر عليه (الخلق، التدبير، علم الغيب المطلق)، وما لا يجوز له مع قدرته عليه (كالكبر).

ذلك لأن حقيقة التصوف يهدف إلى الاكتساب الكامل للصفات الإلهية، يقول الجنيد في هذا: "دخول صفات المحبوب (=الله) على البدل من صفات المحب (=الإنسان) ".

ومن هنا صدرت ما يسمى بالشطحات – وهي كلمات تولدت عن نظرية متكاملة، كامنة في النفس، بدت في أوقات غلبة الحال، ليست عفوية - عن أئمة في التصوف، لا يطعن فيهم أحد من المتصوفة، لا قديما ولا حديثا، كالبسطامي، والحلاج، والشبلي، حيث كان يقول أحدهم: "أنا الله"، "أنا الحق"، حتى ابن عربي الذي قال في فصوص الحكم، في فص حكمة علية، في كلمة إسماعيلية:

فأنت عبد، وأنت رب لمن فيه أنت عبد

وأنت رب، وأنت عبد لمن له في الخطاب عهد

ونصوصهم في هذا المعنى كثيرة جدا، تبين حقيقة التصوف، التي يخفيها من يعرفها، وهم قلة قليلة في هذه الأمة، لكن أكثر المتصوفة لا يعرفون هذه الحقيقة، وتصوفهم ليس من هذا النوع، ولو عرفوها ما قبلوها، لظهور فسادها؛ ولذا كان من المهم في الأحكام: التفريق بين الفكرة والمنتسبين إليها. فليس كل من انتسب إلى أية فكرة، فبالضرورة هو مؤمن بها، فقد لا يطلع على كنهها.

* * *

السؤال الثاني: فماذا عن مرتبة الإحسان، ألا تمثل حقيقة التصوف، وهل هو ركن ثالث في الدين؟.

الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). هكذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم، وتعريف التصوف به لم أقف عليه في تعريفات المتصوفة المؤسسين، إنما الذي ورد ما سبق ذكره: الخلق. وقد تبين معناه، كذلك: الصفاء، والفناء. فالأول ظاهر في تعريفاتهم، بل هو الأكثر ذكرا.

أما الآخر فهو المعنى الأدق للتصوف، بحسب تعبير أبي الوفاء التفتازاني شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر، وبه قال الطوسي، وأبو المواهب الشاذلي، وغيرهما، وهو معنى كثير من كلمات المتقدمين كالجنيد والمزايلي وغيرهما. وعلى معناه تدور مصطلحات كالاصطلام، والمحو، والوجد، ونحوها، التي وضعت لبيان حال المتصوفة، وحقيقة التصوف.

ثم .. إن في دعوى اختصاص المتصوفة بهذا المقام، وكذا مقام التزكية، دون غيرهم، فيه إجحاف ظاهر بأهل العلم والصلاح من غير المتصوفة، كأهل الحديث والفقه والأولياء والصالحين، خصوصا أولئك الذين عاصروا التصوف منذ بدايته، كالأئمة مالك والشافعي وأحمد؛ فإنه لا أحد يشك في زكائهم ومقامهم الرفيع، وحقيقة الأمر أن المتصوفة ينزلون مرتبة هؤلاء - وبالعموم كل من لم يكن صوفيا- عن مرتبة أئمة التصوف، ومن الأدلة على ذلك:

- صنيع الطوسي في "اللمع"، حيث جعل مقام أهل التصوف، فوق مقام أهل الحديث والفقه.

- كذلك صنيع القشيري الذي هو أصرح وأبلغ من ذلك؛ إذ جعل العامي من المتصوفة ذا مقام أعلى من مقام العالم من غيرهم، كما في قصة الشافعي وأحمد مع شيبان الراعي، حيث جعل من الأخير حكيما فقيها، يعرف من مقاصد الشريعة ما لا يعرفه الأمامان، ثم عقب بقوله: "وشيبان الراعي كان أميا منهم، فإذا كان حال الأمي منهم هكذا، فما الظن بأئمتهم".

ولما شعر بعضهم بصعوبة تجاوز هؤلاء الأئمة: ادعى أنهم متصوفة، فأدرجهم معهم، ثم نسب إليهم كلمات في مدح التصوف، لا تثبت عنهم.

ثم لو فرضنا أنه ورد عن بعضهم كلمات، يفسر بها التصوف بالإحسان، فهذا بمجرده لا يكفي لتعريف التصوف به؛ إذ هذا معارض بتعريفات هي عشرات وربما مئات، تعرفه بغير هذا المعنى، بل الصحيح أن يحمل على وجه: أن المعنى المذكور هو تعبير عن وجهة نظر من قائله، استفاده من نصوص الشريعة لا التصوف. فإن معاني التصوف إنما تؤخذ باستقراء أقوال المتقدمين المؤسسين، فينظر فيما أجمعوا عليه أو هو قول جمهورهم، فهو معنى التصوف، لا الأقوال الشاذة والمتأخرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير