فهذا ليس من الإسلام بالإجماع، والذين يعتقدون هذه العقيدة قليلون جدا، ولا يثبت هذا المعتقد على أحد بمجرد كلام محتمل، فإن كان صريحا فهذا يبين له حقيقة الأمر. واليقين: أنه ما من مسلم أو صاحب فطرة سليمة يقبل بهذا المعتقد، لكن الوهم يأتي من جهة الاشتباه والتلبيس.
ثم إن من المبادئ الإسلامية: معرفة ما للإنسان من صواب وخطأ. فأما الصواب فيحمد عليه، ويستفاد منه فيه، وأما الخطأ فينصح فيه، ويجتنب تقليده في ذلك.
وفي ضوء هذا المبدأ: استفاد المسلمون بعضهم من بعضهم، حتى لو اختلفت مذاهبهم، وكان عند بعضهم شيء من الخطأ أو الانحراف. فمن هذا القبيل الاستشهاد بكلام أئمة التصوف، وذلك فيما ورد عنهم من كلام ينصر السنة والإسلام، فهذا الاستشهاد حسن مقبول، وهو غير مانع من نقدهم، وبيان ما أخطئوا فيه، وليس في هذا أي تناقض.
* * *
السؤال التاسع: هل أنت مع من يقول بأن ظاهرة التعددية المذهبية ظاهرة طبيعية، وسمة لازمة في جميع الأديان والعقائد؟.
هي ظاهرة طبيعة من جهة تقدير الله تعالى الكوني، وليست طبيعية من جهة الإرادة الشرعية. فالله تعالى أراد التعدد والاختلاف قدرا وكونا، ولم يرده شرعا،
[كما قال تعالى:
- {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}.
- {ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}.
- {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم}.
فالله تعالى لا يرضى لعباده الكفر، وإن كان قدره كونا، وهو يرضى لعباده أن يؤمنوا به ويشكروه.] (حذف هذا المقطع بالكامل).
فهذا الاختلاف والتعددية سمة لازمة في هذا العالم، فقدر هذه الحياة الدنيا الاختلاف؛ لكونها مزيجا من الخير والشر، والإيمان والكفر، والهدى والضلالة، تكون كذلك حتى قيام الساعة.
ومع كونها سمة، إلا أنه لا يستنبط منها صحة جميع تلك المذاهب والأديان، كلا، فالحق المنزل من عند الله تعالى واحد، هو ما أنزله على أنبيائه ورسله، من توحيده بالطاعة والعبادة، والإيمان باليوم الآخر، ونحوه من الأصول، فمن اتبع ما جاء به المرسلون فهو على الصراط المستقيم، لا من خالفهم.
وحاصل ما يلحظ في طرق هذه القضايا: أنها تنحو منحى المساواة بين كل هذه المختلفات، وطرحها في صورة الحق النسبي، فكلها على الحق، لكن من وجه نسبي، أما الحق المطلق فلا وجود له؟!!.
وهذا خطأ، وأمر خطير على دين أنزله الله تعالى، ورضيه لعباده ولم يرض لهم غيره هو: الإسلام.
فإن المساواة بين المختلفات فيه هضم لعلو الإسلام على سائر الأديان، وعلو مذهب الصحابة على سائر المذاهب، وفيها التسوية بين الأعلى والأدنى. والله تعالى يقول:
- {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
- {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أءسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ}.
ومع علو الإسلام على سائر الأديان، ومذهب الصحابة على سائر المذاهب، إلا أن ذلك غير حائل عن أنواع التواصل مع سائر المخالفين، بما يحقق الفائدة للجميع، دون الإضرار بالإسلام في شيء.
واعتبار أن الإسلام ومذهب الصحابة حق مطلق، لا يلزم منه هضم المخالفين حقوقهم، أو العدوان عليهم، بل الصورة المثالية هي التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه:
لا شك أنهم كانوا يعتقدون أنهم على الحق المطلق، وإلا لما صبروا عليه، وجاهدوا فيه، وبلغوه إلى العالمين، ومع ذلك ما كانوا يضرون أحدا في شيء بدون حق، بدعوى أنهم على الحق المطلق.
* * *
لطف الله خوجه
الأستاذ بقسم العقيدة بجامعة أم القرى
[email protected]
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20060629/Con2006062928831.htm