وبصورة أخرى: هل الدماغ الذي لا يتجاوز حجمه كرة القدم .. "يعقل" .. حقائق الكون وأسراره .. فضلا عن ذات الله تعالى وصفاته؟
إن كان لا سبيل لمعرفة كنه الذات .. فالكلام نفسه منطبق على الصفات .. فمن نازع فيما قاله الله عن نفسه .. أدخل عقله في المحظور
وحتما سيرجع خاسئا وهو حسير
السؤال الذي يطرحه الرازي رحمه الله
بالعقل فهمنا كتاب ربنا .. وبه ميزنا حقيقة الإسلام من غيره .. فتقديم النقل على العقل أبدا .. يبطل النقل والعقل معا
هذه حجته (بتصرف مني)
وهذا منطق معكوس .. وفهم منكوس .. لوجوه:-
لأن جعل العقل حاكما-يجعل الاعتبار للنقل مؤخرا وثانويا .. بحيث لا يحتاج إليه في معظم الأمور لاستقلال العقول بزعمهم على بيان ماهو معقول وما غير معقول ..
وتأمل أخي وافترض جدلا: أننا أمررنا آيات القرآن على العقل "الكلامي" ..
قائلين .. هل فحوى الآية (1) .. معقولة .. ؟ فإن جاء الجواب بنعم فبها ونعمت .. وإلا يحرف معناها قسرا .. وهكذا .. حتى يختتم كتاب الله ..
فما قيمة النقل ساعتئذ طالما أن العقل استقل بنفسه إثباتا ونفيا على كل النقول .. فهو في الحقيقة مستغن عن النقل والحالة هذه
فلهذا .. يكون الصواب بإزاء ما قاله الرازي غفر الله له .. هو العكس:
تقديم العقل على النقل عند وهم التناقض .. يلغي النقل ..
وحتى يكون الكلام ململما نتابع التسلسل المنطقي العقلاني:-
1 - العقول كلها مجبولة بالفطرة على أن للكون خالقا .. وإن قال من قال من أصحاب الفطر المنكوسة لا وجود للخالق
2 - هذا الخالق له حكمة .. ولابد خلقنا لشيء .. فلابد من مبلغ عنه .. وهو الرسول
3 - وهنا انعطاف .. إن كان الشخص لأبوين مسلمين وربياه على الإسلام ..
-فسيقرأ القرآن .. ولن يجد تناقضا ألبتة"كل مولود يولد على الفطرة" أي على الإسلام .. فيكون بذلك حقق قول الله "نور على نور" .. أي نور الوحي تواطأ مع نور الفطرة السليمة .. وساعتها سيكون في غنى عن التكلفات الكلامية الطارئة على الإسلام شرعا وزمانا
والله تعالى وصف كتابه بأنه "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" وقال"كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" وبأنه هدى .. ونور .. وشفاء .. وبرهان
-وإن كان في الأصل ليس مسلما .. بتقليد أبويه .. فإن كانت فطرته مازال فيها بقايا من بصيص حب الحق
سيدرك "بعقله" .. أن ما يقرؤه في التوراة المحرفة .. كلام ممجوج سمج .. في الجملة .. وكذلك في الإنجيل .. وغيرها من الملل غير الإسلامية
فسيجد سخافة أعظم في الأديان الوثنية الأخرى ..
وهنا يبرز دور العقل .. ولهذا لما كان الله يجادل المشركين والكتابيين يكثر من قوله "أفلا تعقلون"؟؟
أي كيف يستقيم في عقولكم أن تنحنوا مثلا أمام حجارة .. لا تضر ولا تنفع وتطلبوا منها المدد
وكيف يكون مقبولا "عقلا" .. أن يكون لله ولد وهو الغني الحميد .. إلخ
يتبع بإذن الله
ـ[أبو القاسم المقدسي]ــــــــ[09 - 02 - 07, 02:39 م]ـ
وقد يرى البعض فيما سبق كلاما عاما .. وليس محددا كما يوحي العنوان ..
فنقول .. إن هذا من الأمور التي تحتاج مزيدا من التطويل والشرح .. لأن القوم اختطوا لأنفسهم طريقا بين المعتزلة والسنة .. فكان نقاشهم أعسر من غيرهم .. وإن كان تناقضهم أيضا أكثر من غيرهم! (باستثناء الرافضة طبعا)
رابعا-العقل .. مشتق من العقال لغة .. وهو ما يعقل به الشيء أي يربط .. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي"اعقلها وتوكل"
لكنه وفقا للأشاعرة محلول من هذا الرباط .. فيخوض بماشاء في صفات الله نفيا وإثباتا .. وكل يزعم أن عقله هو العقل
ولو تتبعنا كلام الأشاعرة .. لأدركنا بوضوح أن "عقل" الجويني .. ليس هو هو عقل ابن الباقلاني .. وليس عقل كل واحد منهما كعقل الغزالي مثلا .. والخلافات بينهم كثيرة تأصيلا وتحريرا .. وحسبك بهذا دليلا على سقوط دعوى العقل
فيكون السؤال الرئيس .. ماهي حدود هذا العقال الذي يحيط بالعقل فيعقله عن الإفلات كما تفلت الناقة؟
الجواب:
حدوده تشبه حدود البصر بالنسبة للرؤية .. وقد شبه العقل بالعين .. غير واحد كشيخ الإسلام وقبله الغزالي .. وإليك بيان ذلك
1 - العين .. لا تبصر في الظلماء .. وكذا العقل لا يبصر بمعزل عن الوحي .. وهذا حد
2 - العين لا ترى الأشياء المتناهية في الصغر .. وكذا العقل له حد من إدراك جزئيات الأمور لاقبل له بتجاوزها ألبتة وهذا فيما يتعلق بعالم المادة المحسوس .. فما كان متعلقا بذات الله من صفات .. من باب أولى
3 - العين لا ترى الأشياء البعيدة .. وكذا العقل .. لا يعقل من السماء الدنيا إلا مساحة محدودة فما ظنك بما حجبه الله عنه من حقائق صفاته العلية
4 - العين إن أمعنت النظر في الدقائق .. وأنعمت فيه .. تعبت وقرّت عند حدها دونما وصول .. وربما عميت .. وكذا العقل إن أجهد نفسه في متابعة صفات الله بما لا دليل عليه سوى الاجتهاد الآدمي المسكين .. فسيودي به ذلك للمهالك
5 - عين زرقاء اليمامية ليست كعين الأعشى .. وكذا هو تفاوت العقول .. فلا مرجعية محددة
وبهذا نخلص .. أن وظيفة العقل في النظر إلى النصوص هو فهمها .. دون تكلف .. وهذا ما يسميه علماء السلف: الأخذ بالظاهر ..
هذا هو الأصل
وهذا ما تدل عليه النصوص القرآنية الكثيرة كقوله تعالى عن المشركين"لهم قلوب لا يعقلون بها" ..
وقوله حكاية عن اليهود"قلوبنا غلف" .. وقوله "قلوبنا في أكنة" .. وكل ذلك في معرض الاحتجاج عليهم بدوس كرامة الفطرة والعقل .. وبعدم الفهم الذي لا يتطلب ذكاء فريدا أو عبقرية .. وإلا كان الله ظالما والعياذ بالله لأصحاب العقول الضعيفة .. التي لا تبلغ درجة النوابغ الفحول
وهذا ما يأباه "العقل" .. أيضا ..
وإنما خاض من خاض بسبب تقديسه للعقل ..
وهو ما حدا الإمام الغزالي في كتابه القسطاس المستقيم ..
عندما قسم الناس أن يقول:-
أهل السلامة البُله .. قال: وهم أهل الجنة!
والخواص:وهم أهل الذكاء والبصيرة .. ولم يذكر لنا منزلهم أفي الجنة أم في النار؟
والقسم الثالث يتولد من هؤلاء وسماهم: أهل الجدل والشغب
فإذا كان هذا آخر ما تفتق عنه عقل الإمم الغزالي .. مع ذكائه المفرط الذي لا ينكره إلا جاهل بحاله
حيث جعل حملة عقيدة السلف بُلها .. ثم هم مع بلاهتهم من أهل الجنة ..
فما فائدة العقل ساعتئذ .. مادامت البلاهة توصل الجنة؟
¥