تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما قوله تعالى:] قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى [(الشورى:23) فليس معناه أنه يطلب من الناس مودة قرابته أجرة بتبليغه أحكام ربه حاش لله ما كان لنبيه أن يطلب على التبليغ أجرًا، كما نطق القرآن ونهض البرهان،وإنما الاستثناء منفصل، ومعناه لا أسألكم أجرًا على ما جئتكم به فتتوهموا أنني طالب منفعة لنفسي، وإنما أسألكم ما هو نافع لكم، وهو المودة في القرابة، أي أن تودوا ذوي القربى منكم فهو إذًا بمعنى ما يؤثر عن الإنجيل من الأمر بمحبة القريب،أو أن تودوني في قرابتي منكم، لا لأني بعثت لهدايتكم فعاملوني معاملة سائر

الأقربين، ولا تؤذوني، وأما الدين (فلكم دينكم ولي دين) لست عليه بجبار، وإنما عليّ البلاغ وللناس الخيار.

وعقب هذا بقوله:] وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً [(الشورى: 23) والآية من سورة الشورى، وهي مكية من أول القرآن نزولاً وأمثال هذا الخطاب في الدعوة والاستمالة إلى الحق كثيرة، ولا يمكن أن يحمل لفظ القربى فيه على ذرية فاطمة - عليها السلام - لما تقدم، ولأنها لم تكن تزوجت ولا ولدت في ذلك العهد.

سبق (للمنار) قول في تفسير هذه الآية وفيه أن الشيعة هم الذين افتحروا لها هذا المعنى غافلين عما وراءه من الطعن في الرسالة، واحتجاج الكافرين على المؤمنين بأن الرسول كان يطلب بدعوته الدنيا لذريته كالملوك والأمراء. وإن القرآن بجملته وتفصيله، وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفسه وأهله

ومعاملته للناس، وتوليتهم الأعمال كل ذلك مما ينسف هذه الشبهة نسفًا.أي غلو (العطاس) - يرحمه الله ويصلح باله - ليس بالغريب؟ أإنكاره قول الإمام مالك أن المسلمين أكفاء، واحتجاجه على ذلك بما كان من أدب هذا الإمام مع النبي - عليه السلام - إذ كان لا يطأ أرض المدينة، واستنباطه منه عدم إباحة افتراش البضعة النبوية ووطئها؟ أيظن أن الإمام مالكًا كان يحرم أن يمشي الناس في المدينة بالنعال، أو أن تركب فيها الحمير والبغال؟ أيظن أنه يقيس اتخاذ المرأة زوجًا وقرينة لرجل تشاركه في نعمته وتتحد معه في معيشته على وطء الأرض

بالنعل أو بغير النعل؟ ما هذا الفقه المقلوب؟ يسهل على من يسلك مسلك هذا المفتي في الاستنباط أن يستخرج من كلامه ما يعده الفقهاء من المكفرات فيكفره كما كفر من يخالف فتواه، أو كاد يكفر بها جميع المسلمين، والحق أنه لا يحكم بكفر أحد من أهل القبلة إلا بقول أو عمل يدل دلالة قطعية على أنه لا يؤمن بالله، وبما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مما هو متواتر مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة؛ فمن آذى شريفًا من آل البيت لحظ من حظوظ الدنيا يكون عاصيًا لله كما لو آذى غيره؛ لأن الإيذاء حرام،وأما من يؤذي الشرفاء لأنهم ينتمون إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -فالأقرب أن يكون إيذاؤه إياه بهذا القصد معلولاً لكفره به لا علة له؛ إذ لا يعقل أن يقصد المؤمن ذلك فلا يظهر هذا إلا فيمن يؤذي كل من قدر على إيذائه منه، فمتى

خصص فردًا أو أفرادًا علم أنه لا يؤذيهم لأجل النسبة.

وجملة القول أن الشريعة الإسلامية شريعة عدل ومساواة، لا شريعة تقسيم ومحاباة، وأحكامها عامة مدار العبادات فيها على تزكية النفس، وتحليتها بالفضائل، ومدار المعاملات على درء المفاسد والمضار، وجلب المنافع وحفظ

المصالح، وليس لأحد أن يخص الشرفاء أو غيرهم بأحكام شرعية تؤخذ بالتسليم على أنها من التعبد؛ فأبناء الحسنين وغيرهم من الناس سواء في أحكامهم، وما ورد في تخصيص آل النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعض الأحكام كتحريم الصدقة عليهم معقول المعنى، ولا يجوز لأحد أن يزيد عليه؛ لأن التخصيص خلاف القياس؛ فلا يقاس عليه، وفي الحديث الصحيح أن الآل في باب تحريم الصدقةهم بنو هاشم وبنو المطلب، لا ذرية فاطمة خاصة. وأن الكفاءة في النكاح لا يستدل عليها بالفضائل والخصائص، وإنما يرجع فيها إلى نص الشارع، أو القياس الصحيح. أما نص الشارع؛ فلم يصح منه في مسألتنا شيء، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: لم يثبت في اعتبار الكفاءة في النسب حديث، أما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه (العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض) فإسناده ضعيف. اهـ وإنما الكفاءة الثابتة في السنة خاصة بالدين والحرية والأخلاق واليسار وهذا ما كان عليه أكثر أهل الصدر الأول، من قال من الفقهاء باعتبارها في النسب فحجته الصحيحة القياس، ومداره على دفع العار؛ فإذا لم يكن هنالك عار بالفعل فلا اعتبار بالنسب في الكفاءة، وعلى هذا أكثر البلاد الإسلامية فيما نظن، وإذا رضيت امرأة شريفة هي وأولياؤها بالتزوج بمَنْ ليس بشريف في بلاد يعد ذلك فيها من العار، فلا حرج عليهم؛ لأنهم أعلم بمصلحتهم، وأحرص على شرف أنفسهم والأمر ليس تعبدي، ولو كان ما ذكره (العطاس) من فضل أهل البيت يجعل استنباطه صحيحًا وداخلاً في الأحكام التعبدية لكان لنا أن نقول مثله في العلماء، فإن ما ورد في الكتاب والسنة في مدح العلم والعلماء أعظم وأظهر مما ورد في آل البيت فهل نقول: إنه لا يحل للعالم أن يزوج ابنته بمن ليس بعالم؛لأن ذلك إهانة للعلم الذي عظمه الله تعالى؟! فالأمر فيه ليس إليه، وإنما هو متعبد بذلك؟ كلا، إن الزواج من المعاملات التي تبنى على أساس المصلحة،وكل قوم أعلم بمصلحتهم والشرع لم يحجر عليهم في اختيار الخير، وإنما حرم عليهم الإيذاء، والله أعلم وأحكم.

هذا وإنني لا أظن بالشيخ (عمر بن سالم العطاس) إلا الخير، وحسن النية وأشكر له حبه للشرفاء، ولولا أن فتواه طبعت لما رددت عليها في المنار، وأسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياه من الغلو، ويلهمنا رشدنا أجمعين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير