- إلى أن قال – فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة، وإن كان رضاه عنه بعد إيمانه وعمله الصالح، فإنه يذكر ذلك في معرض الثناء عليه والمدح له، فلو علم أن يتعقب ذلك بما يسخط الرب لم يكن من أهل ذلك (3) "
ويقول ابن حجر الهيتمي: - " ومنها قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح، آية 18]، فصرح تعالى برضاه عن أولئك وهم ألف ونحو أربعمائة، ومن رضي عنه تعالى لا يمكن موته على الكفر، لأن العبرة بالوفاة على الإسلام، فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام، وأما من علم موته على الكفر، فلا يمكن أن يخبر الله تعالى بأنه رضي عنه، فعلم أن كلا من هذه الآية وما قبلها صريح في رد ما زعمه وافتراه أولئك الملحدون الجاحدون حتى للقرآن العزيز، إذ يلزم من الإيمان به الإيمان بما فيه، وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم، وأنهم عدول خيار، وأن الله لا يخزيهم وأنه رضي عنهم، فمن لم يصدق بذلك منهم فهو مكذب لما في القرآن، ومن كذب بما فيه مما لا يحتمل التأويل كان كافراً جاحداً ملحداً مارقاً. (1) "
وقد استنبط بعض الأئمة من نصوص قرآنية كفر من سب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. فقال الإمام مالك بن أنس: - " من تنقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كان في قلبه غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا قوله تعالى: - {مَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [حتى أتى قوله: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الآية " الحشر، آية 7 - 10]، فمن تنقصهم أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له في الفيء حق. (2) "
صـ428
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام (3):-
"لاحظ للرافضي في الفيء والغنيمة لقول الله حين ذكر آية الفيء في سورة الحشر، فقال {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ .. } [الآية (4) "
" وقال أبو عروة – رجل من ولد الزبير: - كنا عند مالك، فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله عليه وسلم، فقرأ مالك هذه الآية: - {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء} [حتى بلغ: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ} [الفتح، آية 29] فقال مالك: من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية. (5) "
قال القرطبي – معلقاً على قول مالك -: -
" لقد أحسن مالك في مقالته، وأصاب في تأويله، فمن تنقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته، فقد رد على الله رب العالمين، وأبطل شرائع المسلمين. (6) "
ولما ذكر أبو المعالي الآلوسي هذه الآية {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ …} قال: " قال العلماء هذه الآية ناصة على أن الرافضة كفرة؛ لأنهم يكرهونهم، بل يكفرونهم والعياذ بالله تعالى. (7) "
وننبه هاهنا إلى أن قول مالك رحمه الله: - من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية، إنما يحمل على غيظ سببه ما كان عليه الصحابة من الإيمان والقوة والكثرة، قال تعالى: - {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح، آية 29].
فكثرهم الله تعالى وقواهم ليكونوا غيظاً للكافرين، فمن غاظه حال الصحابة رضي الله عنهم لإيمانهم فهو كافر، كمن سبهم طعناً في دينهم وعدالتهم، وأما إن وقع الغيض من غير هذه الجهة، فليس بكفر، فقد جرت حروب بين الصحابة، ووقع من بعضهم غيظ وبغض لبعض، ومع ذلك لم يحكم بعضهم على بعض بكفر أو نفاق.
¥