تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في الجاهلية فيضاف نفاقه المتأخر إلى كفره الماضي فيعاقب على جميع ذلك. قلت: وحاصله أن الخطابي حمل قوله " في الإسلام " على صفة خارجة عن ماهية الإسلام، وحمله غيره على صفة في نفس الإسلام وهو أوجه) ([6]).

قال النووي: (معنى الحديث الصحيح فيه ما قاله جماعة من المحققين أن المراد بالإساءة عدم الدخول في الإسلام بقلبه بل يكون منقادا في الظاهر مظهرا للشهادتين غير معتقد للإسلام بقلبه فهذا منافق باق على كفره بإجماع المسلمين فيؤاخذ بما عمل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام وبما عمل بعد إظهارها لأنه مستمر على كفره وهذا معروف في استعمال الشرع يقولون حسن إسلام فلان اذا دخل فيه حقيقة بإخلاص وساء إسلامه أو لم يحسن إسلامه اذا لم يكن كذلك والله أعلم).

قال الطحاوي: (قول رسول الله عليه السلام في حديث ابن مسعود عندنا - والله أعلم – (من أحسن في الإسلام) هو على معنى من أسلم في الإسلام ومن ذلك قوله تعالى {من جاء بالحسنة فله خير منها} ([7]) فكانت الحسنة المرادة في ذلك هي الإسلام فكان من جاء بالإسلام مجبوبا عنه ما كان منه في الجاهلية وموافقا لما في حديث عمرو أن (الإسلام يجب ما كان قبله) ([8]) ومن لزم الكفر في الإسلام كان قد جاء بالسيئة في الإسلام ومنه قوله تعالى {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} ([9]) فكانت عقوبة تلك السيئة عليه مضافة إلى عقوبات ما قبلها من سيئاته كانت في الجاهلية) ([10]).

ومنها، قول الإمام أحمد ([11])، وغيره: إن الإساءة هي الإصرار على المعاصي وعدم التوبة منها:

قال ابن حجر: (وجدت في " كتاب السنة " لعبد العزيز بن جعفر وهو من رءوس الحنابلة ما يدفع دعوة الخطابي وابن بطال الإجماع الذي نقلاه، وهو ما نقل عن الميموني عن أحمد أنه قال: بلغني أن أبا حنيفة يقول إن من أسلم لا يؤاخذ بما كان في الجاهلية، ثم رد عليه بحديث ابن مسعود ففيه أن الذنوب التي كان الكافر يفعلها في جاهليته إذا أصر عليها في الإسلام فإنه يؤاخذ بها لأنه بإصراره لا يكون تاب منها وإنما تاب من الكفر فلا يسقط عنه ذنب تلك المعصية لإصراره عليها، وإلى هذا ذهب الحليمي من الشافعية).

قال ابن حزم: (ومن عمل في كفره عملا سيئا ثم أسلم ; فإن تمادى على تلك الإساءة حوسب وجوزي في الآخرة بما عمل من ذلك في شركه وإسلامه ; وإن تاب عن ذلك سقط عنه ما عمل في شركه) ([12]).

وقال أيضاً: (حكم الإحسان في الإسلام هو التوبة من كل ذنب أسلفه أيام كفره، وأما من أصر على معاصيه: فما أحسن في إسلامه بل أساء فيه، وكذلك من لم يهجر ما نهى الله تعالى عنه، فليس تام الهجرة - وكل حج أصر صاحبه على المعاصي فيه فلم يوف حقه من البر، فليس مبرورا - وبالله تعالى التوفيق) ([13]).

واستدل ابن حزم لما ذهب إليه بما ورد عن ابن عباس (أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} ([14])) ([15]) فلم يسقط الله - عز وجل - تلك الأعمال السيئة إلا بالإيمان مع التوبة مع العمل الصالح) ([16]).

ثم قال: (فإن ذكروا قول الله عز وجل: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} ([17]).وقوله عليه السلام لعمرو بن العاص {إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها وإن الحج يهدم ما كان قبله} ([18]). قلنا: أما قوله تعالى: {إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} فنعم هذا هو نفس قولنا: إن من انتهى غفر له. وأما من لم ينته عنه فلم يقل الله تعالى أنه يغفره له، فبطل تعلقهم بالآية. وأما قوله عليه السلام: (إن الإسلام يهدم ما كان قبله) فحق وهو قولنا ; لأن الإسلام اسم واقع على جميع الطاعات، والتوبة من عمل السوء من الطاعات. . .) ([19]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير