تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتُعُقِبَ هذا القول بما ذكره ابن حجر حيث قال: (قال ([20]): والاختلاف في هذه المسألة مبني على أن التوبة هي الندم على الذنب مع الإقلاع عنه والعزم على عدم العود إليه والكافر إذا تاب من الكفر ولا يعزم على عدم العود إلى الفاحشة لا يكون تائبا منها فلا تسقط عنه المطالبة بها والجواب عن الجمهور أن هذا خاص بالمسلم وأما الكافر فإنه يكون بإسلامه كيوم ولدته أمه والأخبار دالة على ذلك كحديث أسامة لما أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قتل الذي قال لا إله إلا الله حتى قال في آخره: (حتى تمنيت أنني كنت أسلمت يومئذ) ([21]).) ([22])

ووجه تقي الدين ابن تيمية هذا الإسلام المشار إليه في التعقب الذي نقله ابن حجر بأنه إسلام حسن يتضمن التوبة العامة كما كان هو شأن الأولين حيث قال: وقد سئل عن اليهودي أو النصراني إذا أسلم هل يبقى عليه ذنب بعد الإسلام؟: إذا أسلم باطنا وظاهرا غفر له الكفر الذي تاب منه بالإسلام بلا نزاع وأما الذنوب التي لم يتب منها مثل أن يكن مصرا على ذنب أو ظلم أو فاحشة ولم يتب منها بالإسلام فقد قال بعض الناس إنه يغفر له بالإسلام، والصحيح أنه إنما يغفر له ما تاب منه كما ثبت في الصحيح عن النبي أنه قيل: (أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية فقال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر) وحسن الإسلام أن يلتزم فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه وهذا معنى التوبة العامة فمن أسلم هذا الإسلام غفرت ذنوبه كلها وهكذا كان إسلام السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لعمرو بن العاص: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله) فان اللام لتعريف العهد والإسلام المعهود بينهم كان الإسلام الحسن وقوله: (ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر) أي إذا أصر على ما كان يعمله من الذنوب فانه يؤاخذ بالأول والآخر وهذا موجب النصوص والعدل فان من تاب من ذنب غفر له ذلك الذنب ولم يجب أن يغفر له غيره والمسلم تائب من الكفر كما قال تعالى: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ) ([23]) وقوله: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ) ([24]) أي إذا انتهوا عما نهوا عنه غفر لهم ما قد سلف فالانتهاء عن الذنب هو التوبة منه، من انتهى عن ذنب غفر له ما سلف منه وأما من لم ينته عن ذنب فلا يجب أن يغفر له ما سلف لانتهائه عن ذنب آخر والله أعلم) ([25]).

وعليه فالإسلام وإن كان يتضمن التوبة المطلقة فإنه يستلزم المغفرة المطلقة إلا إن يقترن بذلك ما ينافي هذا الاقتضاء وهو توقفه في بعض المعاصي عند ذكرها فلم يندم ولم يقلع، فهذا إن عاد لهذه المعاصي بعد إسلامه عوقب بالأول والآخر ([26]).

وظاهر الحديث إنما يدل على ما ذهب إليه الإمام أحمد والحليمي من الشافعية، وغيرهما،

ونصره تقي الدين، وذلك بقرينة قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن أساء في الإسلام) أي في حال كونه مسلماً لأن "في" هنا ظرفية ([27])، ولا يقال للمرتد الذي يسيء أنه أساء في إسلامه لخروجه عن الإسلام بردته.

والمتأمل لهذا الوجه يعلم أن هذا المسيء لا يعاقب على ذنب فعله في الجاهلية استقلالاً بل يعاقب عليه على سبيل التبعية إن أصر عليه وفعله في جاهليته وإسلامه؛ لأن إسلامه لم يزجره عن معاودة مثل هذا الفعل القبيح، وبذلك لا تتعارض الأدلة بل يكون حديث الباب مخصص لعموم الأدلة التي استدل بها القائلون بأن الإساءة بمعنى الكفر أو النفاق، والله أعلى وأعلم.


[1]- (الأنفال/38).

[2]-فتح الباري (12/ 266).

[3]-البحر المحيط (2/ 149).

[4]-المصدر السابق.

[5]- فيض القدير (3/ 180).

[6]- فتح الباري (12/ 266).

[7]- (النمل/89).

[8]- أخرجه مسلم (121) (1/ 112)، وأحمد (4/ 204 - 205)، وابن خزيمة (2515) (4/ 131) وغيرهم من حديث عمرو، وهو عند بعضهم بلفظ: يجب، وعند بعضهم بلفظ: يهدم.

[9]- (الأنعام/160).

[10]- مشكل الآثار (1/ 443).

[11]- انظر الآداب الشرعية (1/ 93 - 94).

[12]- المحلى (1/ 39).

[13]- المصدر السابق (12/ 35).

[14]- (الفرقان/86 - 70).

[15]- رواه البخاري (4532) (4/ 1811)، ومسلم (122) (1/ 113)، وليس عندهما إلا الآية الأولى فقط، وإنما وردت كذلك في رواية النسائي (4003) (7/ 86) بنحوه.

[16]- المحلى (1/ 39).

[17]- (الأنفال/38).

[18]- صحيح - وسبق تخريجه.

[19]- المحلى (1/ 40).

[20]- أظن أن القائل هنا الذي ينقل عنه ابن حجر هو عبد العزيز بن جعفر غلام الخلال.

[21]- رواه البخاري (4021) (4/ 1555)، ومسلم (96) (1/ 96).

[22]- فتح الباري (12/ 267).

[23]- (التوبة/5).

[24]- (الأنفال/38).

[25]- مجموع الفتاوى (11/ 701 - 702).

[26]- انظر الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 93 - 94).

[27]- ومما يؤيد هذا القول أن "في" قد تكون هنا أيضاً مصاحبة ك "مع" نحو قوله تعالى: (فخرج على قومه في زينته)، وقوله: (ادخلوا في أمم قد خلت). وإنما يستقيم المعنى الثاني للحديث، من تفسير الإساءة بالكفر، إذا كانت "في" بمعنى "بعد" وهذا لم أقف عليه، ولم أجد من جوزه.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير