تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - اعتبار واتعاظ من زوال الفاطميين من مصر: كانت مدة ملك الفاطميين مائتين وثمانين سنة وكسراً، فصاروا، كأمس الذاهب وكأن لم يَغْنَوا فيها، وكان أوّل من ملك منهم المهديَّ وكان من أهل سَلَمْية حدَّاداً اسمه سعيد، وكان يهودياً فدخل بلاد المغرب وتسمَّى بعبيد الله، وأدّعى أنَّه شريف عَلوِيُّ فاطميُّ، وقال: إنه المهديُّ وقد ذكر هذا غير واحد من سادات العلماء الكبُراء كالقاضي أبي بكر الباقلاَّني والشيخ أبي حامد الإسفرايينيَّ وغير واحد من سادات الأئمة .... والمقصود أنَّ هذا الدّعِىَّ المُدَّعِىَ الكذَّاب راج له ما افتراه في تلك البلاد ووازرَهَ جماعة من جهلة العُبّاد، وصارت له دولة وصولة، فتمكن إلى بنى مدينة سّماها المهدية نسبة إليه، وصار مَلِكاً مطاعاً يظهر الرفض وينطوى على الكفر المحض، ثم كان من بعده ابنه القائم ثم المنصور، ثم المعز – وهو أوّل من دخل مصر منهم وبنيت له القاهرة – ثم العزيز ثم الحاكم، ثم الظاهر، تم المستنصر ثم المستعلي، ثم الآمر، ثم الحافظ، ثم الظافر، ثم الفائز، ثم العاضد وهو آخرهم، فجملتهم أربعة عشر ملِكا، ومدتهم مائتان ونيَّف وتسعين سنة ... وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالاً، وكانوا من أعتى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد وقلَّ عندهم الصالحون من العلماء والعّباد وكثر بأرض الشام النُّصيريُّة والدرزية والحشيشية وتغلب الفرنج على سواحل الشام بكامله، حتى أخذوا القدس الشريف ونابلس وعجلون والغَوْرَ وبلاد غَزَّةَ وعسقلان وكرَكَ الشَّوبك وطبريه وبانياس وصور وعثليث وصيدا وبيروت وعكا وصَفَدَ وطرابلس وأنطاكية وجميع ما وَالىَ ذلك إلى بلاد آياس ([217]) وسيس ([218])، واستحوذوا على بلاد آمد والرُّها ورأس العين وبلاد شَتَّى، وقتلوا خلقاً لا يعلمهم إلا الله وسَبَوا من ذراري المسلمين من النساء والولدان مالا يُحَدُّ ولا يوصَفُ وكادوا أن يتغلبوا على دمشق ولكن صانها الله بعنايته وسلمَّها برعايته، وحين زالت أيامهم وانتفض إبرامهم أعاد الله هذه البلاد كُلَّها على أهلها من السادة المسلمين، ورد الله الكفرة خائبين، وأركسهم بما كسبوا في هذه الدنيا ويوم الدين ([219]).

سادساً: القضاء على محاولة انقلابية لإعادة الدولة الفاطمية:

كانت الدولة والمجتمع في مصر في ذلك الوقت في فترة التحول الكبرى في تاريخها من خلافة ونظم ومؤسسات ورجال حكموا البلاد قرنين من الزمان وأثّروا في كل جوانب مجتمعها إلى حكم جديد ودولة جديدة لها نظمها ومؤسساتها ورجالها والتي بدأت بإجراء التغيير بالتدريج، وحاول صلاح الدين اكتساب عامة الناس إلى جانبه ونجح إلى درجة كبيرة، لكنّ بعض مفكري الدولة الفاطميّة، ورجالها وبعض الجماعات التي فقدت نفوذها وامتيازاتها ظلت على ولائها لما كانت تمثله الدّولة السابقة من أفكار وإمتيازات ([220])، فعملت تلك القوى الموالية للفاطميين من جنود وأمراء وكتاب وموظفي دواوين، ومن عائلات الوزراء السابقين مثل بني رزيك وبني شاور، راحوا يخططون للقضاء على حكم صلاح الدين وإعادة الدولة الفاطمية ([221]). وقد وصفهم عماد الدين الأصفهاني بقوله: واجتمع جماعة من دعاة الدولة المتعصّبة المتشددة المتصلبة، وتوازروا وتزاوروا فيما بينهم خفية وخفية واعتقدوا أمنية عادت بالعقبى عليهم منيّة، وعيّنوا الخليفة والوزير، وأحكموا الرأي والتدبير، وبيتّوا أمرهم بليل، وستروا عليه بذيل ([222]) ويبدو أن مؤامرتهم كانت في غاية التنظيم إذ عينوا خليفة ووزيراً ثم كاتبوا الفرنج أكثر من مرّة يدعونهم في إحداها إلى الهجوم على مصر، في وقت كان صلاح الدين غائباً في الكرك، والتفّ هؤلاء حول عمارة اليمني، الفقيه والأديب السنيّ المذهب الفاطمي الولاء الذي تولى مهمة المراسلة مع الفرنج، وظنّ المتآمرون أن سريتهم التامة ستقودهم إلى النجاح، ولكنهم لم يعلموا أن القاضي الفاضل عن طريق ديوان الإنشاء كان يراقبهم مراقبة تامة حتى تحين الفرصة المواتية لكشف سرهم، وتذكر المصادر في كشف مؤامراتهم قصتين تختلفان بعض الاختلاف في التفصيلات أولاهما أن أحد الكتاب في الديوان وهو عبد الصمد الكاتب، كان يلقى الفاصل بخضوع زائد، يخدمه ويتقرب إليه ويبالغ في التواضع إليه،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير