تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلقيه يوما، فلم يلتفت إليه فقال القاضي الفاضل: ما هذا إلا لسبب وخاف أن يكون قد صار له باطن مع صلاح الدين، فأحضر ابن نجا الواعظ وأخبره الحال، وطلب منه كشف الأمر، فلم يجد من جانب صلاح الدين شيئاً، فقصد الجانب الآخر، فكشف الحال إليه، فأرسله القاضي الفاضل إلى صلاح الدين وقال له: تحضر الساعة عند صلاح الدين وتنهي الحال إليه، فحضر عند صلاح الدين وهو في الجامع وذكر الحال، عندئذ استدعاهم صلاح الدين وقرّرهم فأقروا بمؤامرتهم، فاعتقلهم ثم أمر بصلبهم ([223]) وتشير الرواية الثانية إلى أن المتآمرين أدخلوا الواعظ زين الدين بن نجا بينهم، فتظاهر بمساندته لهم في البداية ثم أعلم صلاح الدين بأمرهم، وطلب منه أن يعطيه ما لابن كامل من أملاك، فوافق وأمر بمخالطتهم وتعريف شأنهم، فصار يعلمه بما يجدّ من أمرهم، ثم وصل رسول من الفرنج إلى صلاح الدين بهدية ورسالة ظاهرية وبرسالة باطنية للمتآمرين، فوصل خبره إلى صلاح الدين ([224]). وقد أشار القاضي الفاضل بنفسه إلى تفصيلات هذه المؤامرة في رسالة كتبها عن صلاح الدين إلى نور الدين بدمشق، وتنّم عن اطّلاعه الدقيق على المؤامرة، بل اشتراكه في إحباطها، فلعلّه هو الذي دسّ من أعلمه بتفصيلات المؤامرة، كما يشير في رسالته إلى عيون لديوان الإنشاء المصري من الفرنج، وأخرين بينهم على اتصال بالديوان ([225]) وجاء في الكتاب الذين كتب بقلم القاضي الفاضل من صلاح الدين إلى نور الدين بعدما تّم التحقيقات التي أجراها صلاح الدين، ويخص الكاتب بتركيز وشمول: بدايات المؤامرة وتطوراتها، وكيفيّة كشفها، وصلب رؤوس المتآمرين أمام بيوتهم ([226]).

1 - أن صلاح الدين كان لا يزال، بعد قضائه على الخلافة الفاطمية يعتبر "جند مصر .. وأهل القصر " الفاطمي أعداء لدولته وضد وجوده ويتوقع منهم القيام بعمل ضِدّه ولذلك فقد كان متحرزاً منهم، ووضع عليهم من عيونه ورجاله الموثوقين من يراقبهم باستمرار ومع ذلك فقد استمر عملهم سرياً بمختلف الوسائل التي كانت متاحة لهم.

2 - وأنهم كانوا، من إعلان الخطبة العبّاسية وحتى القبض عليهم لا يمر عليهم شهر ولا سنة إلا وهم يُدَبَّرون المكائد ويعقدون الاجتماعات ويبعثون الرُّسل إلى الصليبيين لموافقتهم على ما يريدون " وكان أكثر ما يتعللون به، ويستريحون إليه، المكاتبات المتواترة والمراسلات المتقاطرة إلى الفرنج يوسعون لهم فيها سُبُل المطامع .. ويزينون لهم الإقدام والقدوم ([227]). لكن الفرنج لم يستجيبوا بداية لخوفهم من صلاح الدين، وفي ذات الوقت يؤمَّلونهم بالمساعدة في الوقت المناسب.

3 - ووصل الأمر إلى أنهّم كاتبوا ملك الصليبيين عندما قام صلاح الدين بحملته الثانية على بلاد الكرك والشوبك في قسم كبير من قّواته يطلبون منه القيام بالدور المتفق عليه وقالوا في كتبهم: إنه بعيد، والفرصة قد أمكنت، فإذا تقدم عموري بقواته إلى صَوْر أو أيلة، فإنه سيقطع الطريق على صلاح الدين ويمنعه من العودة وعند ذلك تثور في القاهرة "حاشية القصر، وكافة الجند الفاطمي السابق في مصر" وطائفة السودان، وجموع الأرمن، وعامّة الإسماعيلية، وتفتك بأهل صلاح الدين ومعاوينه ورجال دولته العاصمة ([228]). لكّن يقظة صلاح الدين والتكتيكات والمناورات التي قام بها أربكت عموري الذي كان يحاول جاهداً معرفة حركات صلاح الدين في النقب جنوبي الأردن، وجمدته عند مياه الكرمل في جبال الخليل لخوفه من أن يستغل صلاح الدين فرصة حركة الملك الخاطئة، فيتوجه إلى المناطق غربي نهر الأردن والبحر الميت.

4 - ولم يبأس المتآمرون: فعندما وصل المدعو جِرْج (جورج أو جورجيوس)، كاتب الملك عموري، إلى القاهرة في مراسلة إلى صلاح الدين (ويبدو أن الرسائل كانت متصلة في أوقات السليم، اتصلوا به، وأرسلوا معه كتاباً إلى الملك عموري: أنّ العساكر متباعدة في نواحي إقطاعاتهم، وعلى قرب من موسم غلاّتهم، وأنه لم يبق في القاهرة إلا بعضهم، وإذا بعثت أسطولاً إلى بعض الثغور، أنهض فلانا من عنده، وبقي صلاح الدين في البلد وحده ففعلنا ما تقدم ذكره في الثورة ([229]). وهذا دليل آخر على محاولة استغلالهم لكل الظروف المناسبة، ذلك أن وقت جمع الغلات من الحقول هو الوقت الذي يذهب فيه الأمراء المقطعين وأجنادهم إلى إقطاعاتهم لأخذ حصتهم من الناتج وتوزيعه، وهذه كانت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير