وأعني به دعوى ثبوت المشاكلة في الكتاب والسنّة واستدلاله بآية الشورى 40 وآية التوبة67 كمثال على ذلك، وهل هذا إلاّ ما يريده أهل التحريف في الصّفات وأصحاب اللّعب بالتأويل فإذا ما حوججوا تذرّعوا بالمشاكلة؟! أليس هذا ممّا يفرح به أهل البدعة في كلّ زمان ومكان؟!
فما هذا الذي هو ثابت في الكتاب والسنّة؟! أهو التحريف لآيات الصفات واللّعب فيها بالتأويل خشية التشبيه تحت غطاء المشاكلة؟! أهو أن يثبت الفعل الإختياري للّه عزّ وجلّ بصريح في المعنى من لغة العرب ثمّ نحرّفه بدعوى المشاكلة؟! أهو أن يخبر المولى عن نفسه أنّه نسي من نسيه عدلا منه وجزاء وله في ذلك الحكمة البالغة والنّسيان هنا بمعنى الترك كما في لغة العرب، ثمّ ندّعي أنّ النسيان من العبد معلوم والنسيان من اللّه ظاهره غير مراد؟! أفلا يقدر الربّ العظيم ترك من تركه وقد يفعل العبد الضعيف ذلك؟! خاب الظنّ في مخمصة الشيطان، وأسأل اللّه العفو والعافية.
قال أحد المفسّرين:" ولا يحمل على اتصاف الله بالاستهزاء حقيقة عند الأشاعرة لأنه لم يقع من الله معنى الاستهزاء في الدنيا، ويحسن هذا التمثيل ما فيه من المشاكلة ". وقال:" ومثل المشاكلة في قوله:) يخادعون اللَّه وهو خادعهم (النساء 142، فيعلم السامع أنّ إسناد خادع إلى ضمير الجلالة إسناد بمعنى مجازي اقتضته المشاكلة ". فهذا غيض من فيض وهذه هي المشاكلة وهذا هو المجاز وقد سمّاه ابن القيّم رحمه اللّه طاغوتا كما علمت، فوا أسفاه على العصفور في اللّيلة العاتية!!
والمشاكلة ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقاً أو تقديراً، فاللّفظان متّفقان في الرسم أي هما بنفس الحروف مختلفان في المعنى أي أنّ في كل واحدةٍ منها معنًى ليس في الأخْرى، وهي من المحسنات البديعية ومرجعها إلى الاستعارة، وأمّا بيان معنى الآيتين محلّ الشاهد فليُنظر في ذلك تفسير الطبري رحمه اللّه.
@ أمّا عن الجواب بكون المقصود من البدعة في قول عمر رضي اللّه عنه أنّها بمعنى البدعة اللّغويّة فمستقيم خلافا لمن وهم فمنع استقامة ذلك ويبيّنه أمور منها:
1ـ أنّ من معاني البدع الشيء الذي يكون أوّلا، وعمر رضي اللّه عنه أوّل الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أحيا هذه السنّة المعطلة.
2ـ أنّ من معاني البدع الإنقطاع والكلال، وما فعله عمر رضي اللّه عنه كان بعد إنقطاع وكلال ثمّ أُبتدِئت. بُ
3ـ من معاني الإبداع تأسيس الشيء عن الشيء كما في التعريفات للجرجاني، و عمر رضي اللّه عنه أسّس هذا الفعل عن فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
4ـ أنّ المثال السابق وهو المستند النبوي لهذا الفعل لم يكن في ذهن من ولدوا أو أسلموا حديثا خاصّة وأنّ عهد عمر رضي اللّه عنه تميّز بالفتوحات فلعلّ من يجهل هذه السنّة أكثر من يعلمها إن لم أقل: بل هو أكيد، وكأنّ عمر رضي اللّه عنه تحدّث على لسانهم وأجابهم في آن واحد، فَـ (نعمت) جوابه و (البدعة) سؤالهم أو ما ظنّه فيهم، للّه ما أفقهه!
5ـ أنّ اعتبار المداومة على إمام واحد طيلة رمضان وباستمرار، وظهورها في المسجد الجامع مخالفا لسائر النوافل، وفصل النساء عن الرّجال، والقيام بها في أوّل اللّيل بدل آخره، كلّ ذلك رشّحها لوصف البدعة عند عمر رضي اللّه عنه لكن مع وجود الأصل حسّنها بقوله (نعمت).
6ـ أنّه أراد قسما آخر للبدعة فمن البدعة الضّلالة وقسميها: المتمّمة وهي ضلال لما فيه من تنقيص للشّريعة، والمضادّة وهي أعظم في الضلال، إلى البدعة المحمودة أو الحسنة وهي ما جاءت على فترة من الإنقطاع ثمّ أحييت على وفق الشرع أي أنّها بدعة إعتباريّة إضافيّة وليست بدعة مطلقة ولذا نصّ غير واحد من أهل العلم على أنّ من البدع ما هو محمود وقد قال صلّى اللّه عليه وسلّم:" مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة حَسَنَة ... " رواه مسلم (وأنظر شرح النووي له)، ولا يهولنّك ما احتجّ به النافي من كون كلّ محدثة بدعة هكذا على العموم، فقد جاء ما يخصّص الإحداث المذموم بما لم يكن له مستند مشروع فإذا أستند المحدث إلى أصل مشروع لم يُذمّ ومنه هذه البدعة العمريّة المحمودة، قال صلّى اللّه عليه وسلّم:" وإيَّاكُم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كُلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ". وهو حديث صحيح رواه أحمد وأصحاب السنن إلاّ
¥