تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أحد المفسّرين:" ولا يحمل على اتصاف الله بالاستهزاء حقيقة عند الأشاعرة لأنه لم يقع من الله معنى الاستهزاء في الدنيا، ويحسن هذا التمثيل ما فيه من المشاكلة ". وقال:" ومثل المشاكلة في قوله:) يخادعون اللَّه وهو خادعهم (النساء 142، فيعلم السامع أنّ إسناد خادع إلى ضمير الجلالة إسناد بمعنى مجازي اقتضته المشاكلة ". فهذا غيض من فيض وهذه هي المشاكلة وهذا هو المجاز وقد سمّاه ابن القيّم رحمه اللّه طاغوتا كما علمت، فوا أسفاه على العصفور في اللّيلة العاتية!!

والمشاكلة ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقاً أو تقديراً، فاللّفظان متّفقان في الرسم أي هما بنفس الحروف مختلفان في المعنى أي أنّ في كل واحدةٍ منها معنًى ليس في الأخْرى، وهي من المحسنات البديعية ومرجعها إلى الاستعارة، وأمّا بيان معنى الآيتين محلّ الشاهد فليُنظر في ذلك تفسير الطبري رحمه اللّه.

@ أمّا عن الجواب بكون المقصود من البدعة في قول عمر رضي اللّه عنه أنّها بمعنى البدعة اللّغويّة فمستقيم خلافا لمن وهم فمنع استقامة ذلك ويبيّنه أمور منها:

1ـ أنّ من معاني البدع الشيء الذي يكون أوّلا، وعمر رضي اللّه عنه أوّل الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أحيا هذه السنّة المعطلة.

2ـ أنّ من معاني البدع الإنقطاع والكلال، وما فعله عمر رضي اللّه عنه كان بعد إنقطاع وكلال ثمّ أُبتدِئت. بُ

3ـ من معاني الإبداع تأسيس الشيء عن الشيء كما في التعريفات للجرجاني، و عمر رضي اللّه عنه أسّس هذا الفعل عن فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.

4ـ أنّ المثال السابق وهو المستند النبوي لهذا الفعل لم يكن في ذهن من ولدوا أو أسلموا حديثا خاصّة وأنّ عهد عمر رضي اللّه عنه تميّز بالفتوحات فلعلّ من يجهل هذه السنّة أكثر من يعلمها إن لم أقل: بل هو أكيد، وكأنّ عمر رضي اللّه عنه تحدّث على لسانهم وأجابهم في آن واحد، فَـ (نعمت) جوابه و (البدعة) سؤالهم أو ما ظنّه فيهم، للّه ما أفقهه!

5ـ أنّ اعتبار المداومة على إمام واحد طيلة رمضان وباستمرار، وظهورها في المسجد الجامع مخالفا لسائر النوافل، وفصل النساء عن الرّجال، والقيام بها في أوّل اللّيل بدل آخره، كلّ ذلك رشّحها لوصف البدعة عند عمر رضي اللّه عنه لكن مع وجود الأصل حسّنها بقوله (نعمت).

6ـ أنّه أراد قسما آخر للبدعة فمن البدعة الضّلالة وقسميها: المتمّمة وهي ضلال لما فيه من تنقيص للشّريعة، والمضادّة وهي أعظم في الضلال، إلى البدعة المحمودة أو الحسنة وهي ما جاءت على فترة من الإنقطاع ثمّ أحييت على وفق الشرع أي أنّها بدعة إعتباريّة إضافيّة وليست بدعة مطلقة ولذا نصّ غير واحد من أهل العلم على أنّ من البدع ما هو محمود وقد قال صلّى اللّه عليه وسلّم:" مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة حَسَنَة ... " رواه مسلم (وأنظر شرح النووي له)، ولا يهولنّك ما احتجّ به النافي من كون كلّ محدثة بدعة هكذا على العموم، فقد جاء ما يخصّص الإحداث المذموم بما لم يكن له مستند مشروع فإذا أستند المحدث إلى أصل مشروع لم يُذمّ ومنه هذه البدعة العمريّة المحمودة، قال صلّى اللّه عليه وسلّم:" وإيَّاكُم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كُلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ". وهو حديث صحيح رواه أحمد وأصحاب السنن إلاّ النسائي، وقال صلّى الله عليه وسلّم أيضا:" مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هَذا ما لَيس مِنهُ فَهو رَدٌّ ". رواه البخاريّ ومسلم، وفي رواية لمسلم:" مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنا فَهو رَدٌّ ". قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم عند هذا الحديث:" فهذا الحديث يدلُّ بمنطوقه على أنَّ كلَّ عملٍ ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدلُّ بمفهومه على أنَّ كلَّ عمل عليه أمره فهو غير مردود، والمراد بأمره هاهنا: دينُه وشرعُه ". فالإحداث في الدين نوعان: ما هو منه ومخرّج على الأصول فهو مقبول وهو من إحياء الشرع وتجديده، والثاني ما ليس منه وهذا هو المردود وهو كلّه ضلالة وسواء في ذلك أن رآها النّاس حسنة أو أن كان لمن أحدثه نيّة حسنة فكم من مريد للخير لم يدركه، فأحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تفسّر بعضها فالمحدثة والبدعة والضلالة في الحديث الأوّل هي ما جرت على غير أصل في الشرع وما خلت من مستند ثابت فيه، يفسّره الحديث الثاني، وليس حديث أحقّ بالطاعة من آخر والكلّ وحي، وهذا ما يفهم من قول عمر: "نعمت البدعة" وقول الحسن البصري:"القصص بدعة ونعمت البدعة" وهو قول الشافعي وغيره، رضي اللّه عن المؤمنين.

7ـ أنّه سمّاها بدعة إصطلاحا من عنده ولا مشاحة في الإصطلاح فلربّما خوفا أو شكّا في تصويب فعله أو إلجاما لنفسه حتّى لا تزيّن له صواب إجتهاده، فما أتقاه لربّه وما أخوفه من ذنبه!!

8ـ ربّما أراد عمر رضي اللّه عنه هضم نفسه أو إلزامها الأدب مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا دعا إلى سنّة القيام وعلى الدوام في ليالي رمضان وذلك خشية أن يكون باجتهاده رضي اللّه عنه قد زاد شيئا على سنّة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، فما أعظم إيمانه وأدبه!!

9ـ وأخيرا أنبّه أنّ تعيين المراد باللّغوية في وصفها بالبدعيّة هو قول الجمهور العريض من العلماء المحقّقين قديما وحديثا وفيهم من أصّل لمفهوم البدعة وحدّد تقاسيمها وحارب أهلها، فتذكّره!! واللّه أعلم بالصّواب، وإليه المرجع والمآب.

يا أخي لا يلزم من قول الشيخ عبدالكريم ما ألزمته به .. وسبقه إلى ما شنعته عليه الشيخ الشنقيطي صاحب الأضواء .. ولي عودة إن شاء الله مع ردك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير