درء التعارض (2
269)
وقال شيخ الإسلام: وحقيقة هذا القول أن الأجسام متماثلة من كل وجه لا تختلف من وجه دون وجه بل الثلج مماثل للنار من كل وجه والتراب مماثل للذهب من كل وجه والخبز مماثل للحديد من كل وجه إذ كانا متماثلين في صفات النفس عندهم.
وهذا القول فيه من مخالفة الحس والعقل ما يستغنى به عن بسط الرد على صاحبه بل أصل دعوى تماثل الأجسام من أفسد الأقوال بل القول في تماثلها واختلافها كالقول في تماثل الأعراض واختلافها فإنها تتماثل تارة وتختلف أخرى وتفريقهم بين الصفات النفسية والمعنوية اللازمة للمعين يشبه تفريق أهل المنطق بين الصفات الذاتية واللازمة للماهية وكلاهما قول فاسد لا حقيقة له بل قول هؤلاء أفسد من قول أهل المنطق.
درء التعارض (2
422)
ثم قال: والاشتراك في بعض صفات الإثبات لا يكون تماثلا وهذا تصريح بأن المختلفين يستويان ويشتركان في بعض الصفات فكيف يمكن أن يقال مع هذا إن المختلفين لا يشتبهان من بعض الوجوه وقد صرح بتساويهما في بعض الأشياء؟ وغاية هذا أن يقال إنهما لا يختلفان بوجه من الوجوه في الصفات النفسية وإن اشتبها في الصفات المعنوية.
وهذا مع أن اللفظ لا يدل فيعود إلى ما ذكر وقد أخبر الله تعالى في كتابه بنفي تساوي بعض الأجسام وتماثلها كما أخبر بنفي ذلك عن بعض الأعراض فقال الله تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء ولا الأموات} وقال تعالى {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} وقال تعالى {ليسوا سواء} وقال تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} وقال تعالى {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} فنفى أن يكون بعض الأجسام مثلا أو مساويا لغيره.
وإذا قيل: إن الأجسام اختلفت بما عرض لها من الأعراض
قيل: من الأعراض ما يكون لازما لنوع الجسم أو للجسم المعين كما يلزم الحيوان أنه حساس متحرك بالإرادة ويلزم الإنسان انه ناطق وكما يلزم الإنسان المعين ما يخصه من إحساسه وقوة تحركه بالإرادة ونطقه وغير ذلك من الأمور المعينة التي لا يشركه في عينها غيره فهذا لا يجوز أن يكون عارضا له إذ هو لازم له
وما يعقل جسم مجرد عن جميع هذه الصفات عرضت له بعد ذلك فإذا كانت الأجسام تختلف بالأعراض وهي لازمة لها كان من لوازمها أن تكون مختلفة.
وتمام هذا أن الأشياء تتماثل وتختلف بذواتها؛ لا نحتاج أن نقول: تتماثل في ذواتها والذات تختلف بصفاتها.
ولهذا كان الصواب أن الرب سبحانه غير مماثل لخلقه بل هو مخالف لهم بذاته لا نقول: إنه مساو لهم بذاته وإنما خالفهم بصفاته.
درء التعارض (2
424)
وقال: وقد تنازع الناس هل لفظ الشبه والمثل بمعنى واحد أو معنيين على قولين:
أحدهما: أنهما بمعنى واحد وأن ما دل عليه لفظ المثل مطلقا ومقيدا يدل عليه لفظ الشبه وهذا قول طائفة من النظار.
والثاني: أن معناها مختلف عند الإطلاق لغة وشرعا وعقلا وإن كان مع التقيد والقرينة يراد بأحدهما ما يراد بالآخر وهذا قول أكثر الناس , وهذا الاختلاف مبني على مسألة عقلية وهو أنه هل يجوز أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه , وللناس في ذلك قولان فمن منع أن يشبهه من وجه دون وجه قال المثل والشبه واحد ومن قال إنه قد يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه فرق بينهما عند الإطلاق وهذا قول جمهور الناس.
فإن العقل يعلم أن الأعراض مثل الألوان تشتبه في كونها ألوانا مع أن السواد ليس مثل البياض وكذلك الأجسام والجواهر عند جمهور العقلاء تشتبه في مسمى الجسم والجوهر وإن كانت حقائقها ليست متماثلة فليست حقيقة الماء مماثلة لحقيقة التراب , ولا حقيقة النبات مماثلة لحقيقة الحيوان , ولا حقيقة النار مماثلة لحقيقة الماء وإن اشتركا في أن كلا منهما جوهر وجسم وقائم بنفسه.
وأيضا فمعلوم في اللغة أنه يقال هذا يشبه هذا وفيه شبه من هذا إذا أشبهه من بعض الوجوه وإن كان مخالفا له في الحقيقة.
الجواب الصحيح (3
455)
¥