[الموافاة بين أهل السنة والأشاعرة]
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[27 - 03 - 09, 03:41 م]ـ
[الموافاة بين أهل السنة والأشاعرة]
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
من المسائل التي ترتبت على إنكار قيام الصفات الاختيارية بالله سبحانه وتعالى وتجددها القول بالموافاة وأن الله لم يزل ساخطا على من علم منه الموت على الكفر وإن كان قبل ذلك مؤمنا ولم يزل راضيا على من علم موته مؤمنا وإن كان قبل ذلك كافرا.
معنى الموافاة
قال أبو محمد بن حزم: اختلف المتكلمون في معنى عبروا عنه بلفظ الموافاة وهم أنهم قالوا في إنسان مؤمن صالح مجتهد في العبادة ثم مات مرتدا كافرا وآخر كافر متمردا وفاسق ثم مات مسلما نائبا كيف كان حكم كل واحد منهما قبل أن ينتقل إلى ما مات عليه عند الله تعالى فذهب هشام ابن عمرو والفوطي وجميع الأشعرية إلى أن الله عز و جل لم يزل راضيا عن الذي مات مسلما تائبا ولم يزل ساخط على الذي مات كافرا أو فاسقا واحتجوا في ذلك بأن الله عز و جل لا يتغير علمه ولا يرضى ما سخط ولا يسخط ما رضي وقالت الأشعرية الرضا من الله عز و جل لا يتغير منه تعالى صفات الذات لا يزولان ولا يتغيران.
الفصل في الملل (4
50)
القول الراجح في المسألة
قال شيخ الإسلام: وهذا النزاع فى قوله قل يا أيها الكافرون هل هو خطاب لجنس الكفار كما قاله الأكثرون أو لمن علم أنه يموت كافرا كما قاله بعضهم يتعلق بمسمى الكافر و مسمى المؤمن فطائفة تقول هذا إنما يتنا من وافى القيامة بالإيمان فاسم المؤمن عندهم إنما هو لمن مات مؤمنا فأما من آمن ثم ارتد فذاك ليس عندهم بإيمان و هذا إختيار الأشعري و طائفة من أصحاب أحمد و غيرهم و هكذا يقال الكافر من مات كافرا.
و هؤلاء يقولون إن حب الله و بغضه و رضاه و سخطه و ولايته و عداوته إنما يتعلق بالموافاة فقط فالله يحب من علم أنه يموت مؤمنا و يرضى عنه و يواليه بحب قديم و موالاة قديمة و يقولون إن عمر حال كفره كان و ليا لله
و هذا القول معروف عن ابن كلاب و من تبعه كالأشعرى و غيره.
و أكثر الطوائف يخالفونه في هذا فيقولون بل قد يكون الرجل عدوا لله ثم يصير و ليا لله و يكون الله يبغضه ثم يحبه و هذا مذهب الفقهاء و العامة و هو قول المعتزلة و الكرامية و الحنفية قاطبة و قدماء المالكية و الشافعية و الحنبلية
و على هذا يدل القرآن كقوله {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} {و إن تشكروا يرضه لكم} و قوله {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا} فوصفهم بكفر بعد إيمان و إيمان بعد كفر و أخبر عن الذين كفروا أنهم كفار و أنهم {إن انتهوا يغفر لهم ما قد سلف} و قال {فلما آسفونا انتقمنا منهم} و قال {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}
و فى الصحيحين فى حديث الشفاعة:تقول الأنبياء إن ربى قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله و لن يغضب بعده مثله.
مجموع الفتاوى (16
583)
وقال ابن حزم: وذهب سائر المسلمين إلى أن الله عز و جل كان ساخطا على الكافر والفاسق ثم رضي الله عنهما إذا أسلم الكافر وتاب الفاسق وأنه كان تعالى راضيا عن المسلم وعن الصالح ثم سخط عليهما إذا كفر المسلم وفسق الصالح.
الفصل في الملل (4
50)
الرد على الأشاعرة
قال أبو محمد: احتجاج الأشعريه هاهنا هو احتجاج اليهود في إبطال النسخ ولا فرق ونحن نبين بطلان احتجاجهم وبطلان قولهم وبالله تعالى التوفيق فنقول وبالله عز و جل نتأيد أما قولهم عن علم الله عز و جل لا يتغير فصحيح ولكن معلوماته تتغير ولم نقل أن علمه يتغير ومعاذ الله من هذا ولم يزل علمه تعالى واحدا يعلم كل شيء على تصرفه في جميع حالاته فلم يزل يعلم أن زيدا سيكون صغيرا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ثم ميتا ثم مبعوثا ثم في الجنة أو في النار ولم يزل يعلم أنه سيؤمن ثم يكفر أو أنه يكفر ثم يؤمن أو أنه يكفر ولا يؤمن أو أنه يؤمن ولا يكفر وكذلك القول في الفسق والصلاح ومعلوماته تعالى في ذلك متغيرة مختلفة ومن كابر هذا فقد كابر العيان والمشاهدات وأما قولهم أن الله تعالى لا يسخط ما رضي ولا يرضى ما سخط فباطل وكذب
¥