[مالك والأشعري وبدعة التمشعر المالكي]
ـ[ابو البراء]ــــــــ[02 - 03 - 09, 01:31 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[مالك والأشعري وبدعة التمشعر المالكي]
الحديث عن المرجعية الدينية في بلد كالجزائر فيه كثير من الغرابة والدهشة تدعوا إلى التساؤل حول إمكانية التشكيك في مُسلَّمة "الكتاب والسنة" التي تسكن في اللاشعور الجمعي لكل المسلمين بمختلف اتجاهاتهم في كل أصقاع الدنيا، ففي غفلة من دعاة الحقِّ وأهله وسطوة من ذوي السلطان والآكلين على موائده تتجرّأ ثلة من المنتمين إلى جهة رسمية معيَّنة إلى وضع معادلة مضطربة اضطرابَ رؤوس واضعيها إضافة إلى احتمال قضاء مآرب أخرى، فقد زعموا أن المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والطرق الصوفية هي المرجعية الدينية للجزائر عبر تاريخها الإسلامي الحافل، وكم تزداد تلك الغرابة والدهشة عندما يُشوَّه مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله (93 - 179هـ) عن طريق إفراغه من عقيدته السّلفية وتلقيحه بعقائد المتكلمين المنحرفين عن هدي الكتاب والسنة الصحيحة ولاسيما عقائد أولئك المتأخرين الذين ينسبون أنفسهم إلى أبي الحسن الأشعري رحمه الله (260 - 324هـ)، ثم بعد ذلك الادّعاء بأن هذه "الطرق الصوفية" المنتشرة في ربوع البلاد هي المسلك الضروري لاكتمال هذه المعادلة البديلة التي يُراد لها أن تكون دستور التدين في الجزائر.
وقبل أن نتساءل عن أبعاد هذه العملية المدروسة ومراحلها فمن الأفضل تحليل هذه المقدمة عن طريق الحديث: أولا عن مذهب الإمام مالك، وثانيا تحديد إشكالية الأشعري والأشعرية، وأخيرا قضية التصوف والطرق الصوفية، وربما سيطول الموضوع ولكن سأحاول السيطرة عليه عن طريق التركيز على الأفكار الرئيسية.
فبالنسبة لمذهب الإمام مالك فهو أحد أعمدة علم السلف وأهم المذاهب الإسلامية في تاريخ التشريع الإسلامي، وهو ليس مذهبا فقهيا فحسب كما تريد هذه الثُلَّة صاحبةُ تلك المعادلة الآنفة الذِّكْر؛ لأن الإمامَ مالكا باعتباره أحد أئمة السّلف يتميّز بكل مميّزات السّلف في الاعتقاد أيضا، ومن أشهر مناقب الإمام مالك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة)، قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: هو مالك بن أنس. وقال الشافعي رحمه الله: ما في الأرض كتاب بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك بن أنس. وقال أيضا: ما كتاب بعد كتاب الله عز وجل أنفع من موطأ مالك بن أنس.
ويُغفِلُ بعض الدّارسين الحديثَ عن عقيدة مالك المعروفة بالإجمال والتفصيل حتى ليظن البعض القليل أن المذهب المالكي مذهب فقهي لا علاقة له بالمعتقد، ولذلك سنبين بإذن الله تعالى عقيدة مالك ومنهجه الاعتقادي في بعض القضايا الأساسية في العقيدة، وسنركز على مسألة الإيمان ومسألة الصفات الإلهية لأن ذلك سيبين استحالة أن يكون المالكي مرجئيا أومُعطِّلا كما تريده تلك الجهة المخطِّطة.
قال ابن القاسم: قلنا لمالك: الإيمان قول وعمل أو قول بلا عمل؟ قال مالك: بل قول وعمل. وقال أشهب بن عبد العزيز: قال مالك: أقام الناس يصلون نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم أمروا بالبيت الحرام فقال تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس. قال مالك: وإني لأذكر هذه الآية قول المرجئة إن الصلاة ليست من الإيمان.
وفي الجامع لابن أبي زيد القيرواني قال مالك: الإيمان قول وعمل. وقال القاضي عياض: قال غير واحد: سمعت مالكا يقول: الإيمان قول وعمل.
وقول مالك هنا هو قول السلف قاطبة. قال ابن عبد البر: أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والطاعات كلها عندهم إيمان إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه، فإنهم ذهبوا على أن الطاعات لا تسمى إيمانا. قالوا: إنما الإيمان التصديق والإقرار.
وأما سائر الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام ومصر منهم مالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري و الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام وداود بن علي والطبري ومن سلك سبيلهم فقالوا: الإيمان قول وعمل، قول باللسان وهو الإقرار واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، مع الإخلاص بالنية الصادقة.
¥