درّة غالية: رسالة إسحاق العلثي الحنبلي إلى ابن الجوزي
ـ[العوضي]ــــــــ[12 - 03 - 09, 08:56 م]ـ
رسالةُ إسحاقَ العَلْثيّ الحنبليّ إلى ابن الجوزيّ
في ترجمة الفقيه أبي الفضل إسحاق بن أحمد العلثيّ (ت 634)، قال الحافظُ ابن رجبٍ رحمه الله في " ذيل طبقات الحنابلة " (3/ 445 فما بعدها، ترجمة رقم 343 بتحقيق عبد الرّحمن العثيمين) (1):
" إسحاق بن أحمد بم محمّد بن غانم العلثيّ، الزّاهد القدوة، أبو الفضل، و يقال: أبو محمّدٍ، ابنُ عمِّ طلحةَ بن المظفّر، الّذي سبق ذكره، سمع من أبي الفتح بن شاتيل، و قرأ بنفسه على ابن كليبٍ، و ابن الأخضر، و كان قدوةً صالحاً زاهداً فقيهاً عالماً، أمّاراً بالمعروف نهّاءً عن المنكر، لا يخاف أحدا إلاّ الله، و لا تأخذه في الله لومة لائمٍ، أنكر على الخليفة النّاصر فمن دونه، و واجه الخليفة النّاصر و صدعه بالحقّ.
قال ناصح الدّين بن الحنبلي – و قرأتُه بخطّه -: هو اليوم شيخُ العراق، و القائمُ بالإنكار على الفقهاء و الفقراء و غيرهم فيما ترخّصوا فيه.
و قال المنذريّ: قيل إنّه لم يكن في زمانه أكثر إنكاراً للمنكر منه، و حُبس على ذلك مدّة.
قلت: و له رسائلُ كثيرةٌ إلى الأعيان بالإنكار عليهم و النّصح لهم و رأيت بخطّه كتاباً أرسله إلى الخليفة ببغداد و أرسل أيضاً إلى الشيخ عليّ ابن إدريس الزّاهد – صاحب الشّيخ عبد القادر – رسالةً طويلةً تتضمّن إنكار الرّقص و السّماع و المبالغة في ذلك، و له في معنى ذلك عدّة رسائلَ إلى غير واحدٍ، و أرسل رسالةً طويلةً إلى الشّيخ أبي الفرج بن الجوزيّ بالإنكار عليه فيما يقع في كلامه من الميل إلى أهل التّأويل يقول فيها:
نصّ الرّسالة كما ساقها الحافظ ابن رجبٍ الحنبليّ رحمه الله
" من عبيد الله إسحاق بن أحمد بن محمّد بن غانم العلثيّ إلى عبد الرّحمن بن الجوزيّ:
حمانا الله و إيّاه من الاستكبار عن قبول النّصائح، و وفّقنا و إيّاه لاتّباع السّلف الصّالح، و بصّرنا بالسّنّة السّنيّة، و لا حرمنا الاهتداء باللّفظات النّبوية، و أعاذنا من الابتداع في الشّريعة المحمديّة، فلا حاجة إلى ذلك، فقد تُرِكنا على بيضاء نقيّة، و أكمل الله لنا الدّين، و أغنانا عن آراء المتنطّعين، ففي كتاب الله و سنّة رسوله مَقْنَعٌ لكلّ من رَغِب أو رَهِب، و رزقنا الله الاعتقاد السّليم، و لا حَرَمنا التّوفيق، فإذا حُرِمه العبد لم ينفع التّعليم، و عَرَّفَنا أقدار نفوسنا، و هدانا الصّراط المستقيم. و لا حول و لا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، و فوق كلّ ذي علمٍ عليم.
و بعد حمدالله سبحانه، و الصّلاة على رسوله:
فلا يخفى أنّ " الدّين النّصيحة "، خصوصاً للمولى الكريم، و الرّبّ الرّحيم، فكم قد زلّ قلمٌ، و عثر قدمٌ، و زلق متكلّمٌ، و لا يحيطون به علماً، قال عزّ من قائل: ? و مِنَ ?لنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ?للَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لاَ هُدًى وَ لاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ? (الحجّ: 8).
و أنتَ يا عبد الرّحمن، فما يزال يبلغُ عنك و يُسمع ُمنك، و يُشاهد في كُتبك المسموعة عليك، تذكر كثيراً ممّن كان قبلك من العلماء بالخطأ، اعتقاداً منك أنّك تصدع بالحقّ من غير محاباةٍ، و لا بدّ من الجريان في ميدان النّصح، إمّا لتنتفع إن هداك الله، و إمّا لتركيب حجّة الله عليك، و يحذرَ النّاس قولك الفاسد، و لا يغرّك كثرة اطّلاعك على العلوم؛ فربّ مبلَّغٍ أوعى من سامعٍ، و ربّ حامل فقهٍ لا فقهَ له، و ربّ بحرٍ كَدرٍ و نهرٍ صافٍ، فلستَ بأعلمَ من الرّسول، حيث قال له الإمام عمر: " أتصلّي على ابن أبيّ؟ " أَنْزَلَ القرآن (2): ? وَ لاَ تُصَلِّ عَلَى? أَحَدٍ منْهُم ? (التّوبة: 84)، و لو كان لا يُنكر من قلّ علمُه على من كَثُر علمه إذاً لتعطّل الأمر بالمعروف، و صرنا كبني إسرائيل حيث قال تعالى: ? كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ? (المائدة: 79)، بل ينكر المفضول على الفاضل و ينكرُ الفاجر على الوليّ، على تقدير معرفة الوليّ، و إلاّ:فأين العنقاءُ ليُطلب؟ و أين السّمندلُ ليُجلب؟ (3)
إلى أن قال:
¥