التذكير بخطأ قول العامّة: (الدنيا ليست دار عدل)
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[20 - 03 - 09, 05:16 ص]ـ
التذكير بخطأ قول العامّة: (الدنيا ليست دار عدل)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
شاع في لسان العامّة قول: (الدنيا ليست دار عدل)، وقد دعاهم إلى هذه المقولة - الخاطئة - ما يرونه صباح مساء من يسار أهل الكفر والمعصية، وعُسر أهل الإيمان والطاعة، وعند قليل من التأمُّل يَظهر خطأ هذه المقولة؛ وذلك للأسباب الآتية:
1 - من صفات الله عزو وجل: (العدل)، ولا تختص هذه الصفة بأمور الآخرة، دون أمور الدنيا:
- قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ) [النحل: 90].
- قال تعالى: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى: 15].
- وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه في "الصحيح"، مرفوعًا: «فمَن يَعْدِلُ إذا لم يَعْدِلِ اللهُ ورسولُه؟!».
إنّ الله سبحانه وتعالى: (العدل): في جميع أقواله وأفعاله: الجارية على سنن العدل والاستقامة، الدائرة بين الفضل والرحمة وبين العدل والحِكْمَة.
يقول ابن القيّم: (وهو العدل الذي يتصرّف به فيهم؛ فهو على صراط مستقيم في قوله وفعله، وقضائه وقدره، وأمره ونهيه، وثوابه وعقابه؛ فخبره كله صدق، وقضاؤه كله عدل، وأمره كله مصلحة، والذي نهى عنه كله مفسدة، وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته، وعقابه لمن يستحق العقاب بعدله وحكمته).انتهى.
والعَدْلُ مِنْ أوصافِه في فِعْلِهِ ** ومَقَالِه والحُكْمِ بالميزانِ
فَعَلَى الصِّراطِ المستقيمِ إلَهُنَا ** قولًا وفِعْلًا ذاك في القرآنِ
2 - أمر الله عز وجل عباده بتحري العدل في أمور الدنيا، وذلك في آيات كثيرة، منها:
- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ... )
إلى قوله: (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) [البقرة: 282].
- قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) [النساء: 3].
- قوله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء: 58].
- قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات: 9]. إلخ ..
3 - لقد: (فاوت الله عز وجل بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة) - ما بين قوسين لابن كثير -؛ وذلك وفق العدل والحِكمة، قال تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف: 32].
وقوله: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا): أي: أفقرنا قوما وأغنينا قوما. قاله القرطبي.
ورزق المعاش في الحياة الدنيا: يتبع مواهب الأفراد، وظروف الحياة، وعلاقات المجتمع، وتختلف نِسَب التوزيع بين الأفراد والجماعات وفق تلك العوامل كلها. قاله سيِّد، وفيه تفصيل ...
وقوله: (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا): قيل: معناه: ليسخّر بعضهم بعضا في الأعمال؛ لاحتياج هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا. قاله السدّي وغيره.
وقال قتادة والضحاك: ليملك بعضهم بعضا. وهو راجع إلى الأول.
ثم قال: (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ): أي: رحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا. ابن كثير.
¥