الرد على من فضَّل قبر النبي على عرش الرحمن لسمير المالكي
ـ[أبو طلحة العتيبي]ــــــــ[26 - 02 - 09, 02:08 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد أرسل إلي أحد إخواني من طلبة العلم يسأل: هل يصح أن يقال إن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ومن العرش والكرسي ومن الجنة؟
وأخبرني أنه حضر خطبة الجمعة الماضية في جدة، وأن الخطيب قرر ذلك الكلام في خطبته.
وقد استنكر السائل هذا القول، خاصة، وأنه صدر من طالب علم مشهور!
وقد أجبت السائل بجواب مختصر، وأحلته على ما كتبته سابقا في كتابي " جلاء البصائر "، حيث أوردت فيه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ في هذه المسألة.
ورأيت أن أعيد ما ذكرته هناك، حتى تعم الفائدة، ولئلا يغتر الناس بقول أخينا الخطيب _هداه الله.
والخطيب من دعاة السنة المعروفينفي جدة، وما قاله وقرره في خطبته يعد من الأخطاء الشنيعة التي يستغرب صدورها منه، غفر الله له، ومع ذلك فإن هذا لا يقلل من قدره، ولا يحط من شأنه، لأنه ما من عالم ولا فاضل إلا وأخطأ في مسائل، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب ذلك " القبر "، صلى الله عليه وسلم.
و أحب أن أبدأ هنا بذكر بعض المسائل المهمة:
أولا: صحة القول أو خطؤه، لا عبرة فيه بقائله، بل بما وافق الحق،
ولهذا قال معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق "رواه أبوداود.
و قال بعض السلف: لو أخذت برخصة (أو زلة) كل عالم لاجتمع فيك الشر كله.
ثانيا: القول بتفضيل القبر النبوي على العرش - مع كونه بدعة- إلا أنه يتفاوت خطره بحسب اعتقاد قائله، وأشهر من قاله من العلماء المتقدمين: ابن عقيل الحنبلي، وتبعه عدد من العلماء، كالهيتمي والقسطلاني والتاج السبكي وغيرهم
وهؤلاء لا يعتقدون أن فوق العرش والكرسي شيئا - كسائر المعطلة و المفوضة - بخلاف أهل السنة، الذين يعتقدون أن الله عز وجل مستو بذاته على العرش على الحقيقة، استواء يليق بجلاله، ولهذا اقشعر الإمام مالك رحمه الله، وعلته الرحضاء، لما سأله السائل عن كيفية الاستواء.
أما الكرسي فهو موضع قدمي الرحمن، كما صح بذلك الأثر عن ترجمان القرآن رضي الله عنه.
فلا ينبغي لشيخ سلفي، أن يفضل القبر الذي حوى جسد النبي صلى الله عليه وسلم، على العرش الذي استوى عليه الملك العلي!
ثالثا: تفضيل البقاع والأمكنة، بعضها على بعض، لا مجال فيه لاجتهاد ولا لقياس، بل هو من الأمور التوقيفية التي تعرف بالنص، كما هو معلوم.
فالخوض فيها بغير نص افتئات على الشرع.
رابعا: هذا القول الذي جاء على لسان الخطيب، مذكور في كتاب الروض المربع آخر المناسك، وهو من أخطاء المؤلف _ رحمه الله _ وقد أنكره علماؤنا ومشايخنا، وأذكر أن عددا من الأساتذة في الجامعات كانوا - أثناء الشرح- إذا جاءوا إلى هذا الموضع حذفوه، أو انتقدوه وبينوا خطأه.
فكان الأولى بهذا الخطيب أن يتجنب إشاعة مثل هذه الأخطاء، خاصة في خطب الجمعة، التي يحضرها فئام من العوام، وقد تثير شبهات عندهم، أو تؤدي إلى محذور، كتعظيم القبر النبوي واتخاذه عيدا، ونحو ذلك من البدع المحدثة.
خامسا: إن هذا الشيخ الداعية السلفي على اطلاع واسع بما عليه أكثر الناس اليوم من تعظيم قبور الصالحين، ومنها قبر سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا ورد النهي عن اتخاذها مساجد، فلا يصلَّى عندها ولا إليها، ولا يُتحرى الدعاء عندها، ولا يشد الرحال إليها، لأن ذلك يفضي إلى الغلو فيها و تعظيمها، ومن ثم عبادتها.
فليس من الحكمة أن يذاع في الملأ مثل هذا القول المحدث، الذي لو فرض أنه حق، وأن عليه أدلة من الشرع: لكان الأولى عدم ذكره؛ صيانة لجناب التوحيد، وسدّاً لذريعة الوقوع في الشرك.
وقد صح في الأثر "حدثوا الناس بما يعرفون "، علقه الإمام البخاري عن علي بن أبي طالب.
و الناس في هذا الزمان بأمس الحاجة إلى نشر التوحيد وتعظيمه في قلوبهم، لا إلى تعظيم القبور والمشاهد.
¥