تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كلام للإمام أبي حامد الغزالي في التفريق بين الإرادة والمحبة وإثبات الحكمة والتعليل]

ـ[محمد براء]ــــــــ[22 - 02 - 09, 09:09 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء: " وفي التوصل إلى الولد قربة من أربعة أوجه، هي الأصل في الترغيب فيه عند الأمن من غوائل الشهوة، حتى لم يحب أحدهم أن يلقى الله عزبا.

الأول: موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان.

والثاني: طلب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكثير من مباهاته.

والثالث: طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده.

والرابع: طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله.

أما الوجه الأول: فهو أدق الوجوه، وأبعدها عن أفهام الجماهير، وهو أحقها وأقواها عند ذوي البصائر النافذة في عجائب صنع الله تعالى ومجاري حكمه وبيانه، أن السيد إذا سلم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيأ له أرضاً مهيأة للحراثة وكان العبد قادراً على الحراثة ووكل به من يتقاضاه عليها فإن تكاسل وعطل آلة الحرث وترك البذر ضائعاً حتى فسد ودفع الموكل عن نفسه بنوع من الحيلة كان مستحقا للمقت والعتاب من سيده.

والله تعالى خلق الزوجين وخلق الذكر والأنثيين، وخلق النطفة في الفقار، وهيأ لها في الأنثيين عروقاً ومجاري وخلق الرحم قراراً، ومستودعاً للنطفة، وسلط متقاضي الشهوة على كل واحد من الذكر والأنثى، فهذه الأفعال والآلات تشهد بلسان ذلق في الإعراب عن مراد خالقها وتنادي أرباب الألباب بتعريف ما أعدت له.

هذا إن لم يصرح به الخالق تعالى على لسان رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالمراد حيث قال: " تناكحوا تناسلوا "، فكيف وقد صرح بالأمر وباح بالسر؟

فكل ممتنع عن النكاح معرض عن الحراثة، مضيع للبذر، معطل لما خلق الله من الآلات المعدة، وجان على مقصود الفطرة والحكمة المفهومة من شواهد الخلقة المكتوبة على هذه الأعضاء بخط إلهي ليس برقم حروف وأصوات، يقرؤه كل من له بصيرة ربانية نافذة في إدراك دقائق الحكمة الأزلية، ولذلك عظم الشرع الأمر في القتل للأولاد وفي الوأد، لأنه منع لتمام الوجود، وإليه أشار من قال: " العزل أحد الوأدين "، فالناكح ساع في إتمام ما أحب الله تعالى تمامه، والمعرض معطل ومضيع لما كره الله ضياعه، ولأجل محبة الله تعالى لبقاء النفوس أمر بالإطعام وحث عليه وعبر عنه بعبادة القرض، فقال: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسناً ".

فإن قلت: قولك إن بقاء النسل والنفس محبوب يوهم أن فناءها مكروه عند الله، وهو فرق بين الموت والحياة بالإضافة إلى إرادة الله تعالى، ومعلوم أن الكل بمشيئة الله، وإن الله غني عن العالمين، فمن أين يتميز عنده موتهم عن حياتهم أو بقاؤهم عن فنائهم؟!.

فاعلم أن هذه الكلمة حق أريد بها باطل، فإن ما ذكرناه لا ينافي إضافة الكائنات كلها إلى إرادة الله خيرها وشرها ونفعها وضرها، ولكن المحبة والكراهية يتضادان، وكلاهما لا يضادان الإرادة، فرب مراد مكروه، ورب مراد محبوب، فالمعاصي مكروهة وهي مع الكراهة مرادة، والطاعات مرادة ومع كونها مرادة محبوبة ومرضية، أما الكفر والشر فلا نقول إنه مرضي ومحبوب، بل هو مراد.

وقد قال الله تعالى: " ولا يرضى لعباده الكفر ".

فكيف يكون الفناء بالإضافة إلى محبة الله وكراهته كالبقاء؟!

فإنه تعالى يقول: " ما ترددت في شيء كترددي في قبض روح عبدي المسلم هو يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له من الموت "

فقوله: " لا بد له من الموت " إشارة إلى سبق الإرادة والتقدير المذكور في قوله تعالى: " نحن قدرنا بينكم الموت وفي قوله تعالى: " الذي خلق الموت والحياة ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير