[الصحابة ضرورة لا اختيار]
ـ[عمرو صلاح الدين]ــــــــ[07 - 02 - 09, 11:33 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[الصحابة ضرورة لا اختيار]
صلاح فتحي هَلَل
14/ 9/1429
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ورضي الله عن آله وصحبه الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه، وجعلهم خير أمةٍ أُخْرِجَتْ للناس.
أما بعد:
فقد جرى في عصرنا لغطٌ عجيبٌ غريب، حول صحابة النبي ?، ورضي الله عن جميعهم، وخاض في ذلك طوائف مِن الناس، بشتى أطيافهم وتوجُّهاتِهم الفِكْرِيَّة والعقديَّة، وتَحَامَقَ أحدُهم؛ فأتى بعجيبة العجائب؛ عندما زَعَمَ أَنَّ الإسلام لم يكن بحاجةٍ إلى صحابة النبي ?، فوجودهم وعدمهم سواء –حسبما تسافه في زَعْمِه-.
فليعْلم القارئ أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم ضرورة دينية، على سبيل الاضطرار لا الاختيار، فلابُدَّ مِن وجودهم وحبِّهم واعترافنا بهم، دينًا وعقلًا، وأي سبيلٍ لنزع الثقة منهم، أو الاعتراض على وجودهم = فهو سبيلٌ لِجَحْدِ الإسلام والقضاء عليه، وذلك مِن وجوهٍ عديدةٍ، أقتصر منها الآن على الآتي:
أولًا: إنزال الكتب على الأنبياء بلسان أقوامهم:
فكلّ كتابٍ أنزله الله عز وجل، على نبيٍّ مِن أنبيائه = قد نزل بلسان قومه، كما قال تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [إبراهيم:4].
فكانت معرفة لسان القوم الذين نزلتْ فيهم كتب الله عز وجل ضرورة شرعية، لا يمكن فهْم مراد الله سبحانه وتعالى بغيرها، ومعرفة لسانهم لا يقتصر فقط على معرفة لغتِهم؛ وإنما يتَّسع ذلك لمعرفة أحوالهم وأعرافهم ومقاصدِهم مِن أفعالهم، ليتسنَّى الوقوف بعد ذلك على مقاصد النصوص الشرعية، ومعرفة مراميها؛ لأنها إِنما نزلت على هؤلاء بلغتهم وأعرافهم، فصار الوقوف على لغتهم وأعرافهم ضرورة مِن الضرورات التي لا يقوم الدين إلا بها؛ لأنه ما نزلت النصوص إلا مُنَجَّمة مُفَرَّقَة، حسب وقائع وأسبابٍ خاصة بالوقائع التي عاينها أو عاصرها الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فالرجوع لملابسات نزول النصوص =ضرورةٌ وحتمٌ؛ لأنها جزءٌ أصيل مِن أجزاء بناء فَهْم النصوص ومعرفة مراميها، فهي كالأعمال التحضيرية والمذكرات التفسيرية والديباجة التي يرجع إليها رجال القانون في عصرنا عند تفسير نصوصهم القانونية.
والحقيقة فإِنَّ الرجوع في تفسير النصوص إلى اللغة والسياق والسبب والعُرْف المحيط = مِن المُسلَّمَات المتَّفَق عليها بين أصحاب العقول جميعًا، مسلمهم وغير مسلمهم، وكمثالٍ على ذلك ما ذكره رجال القانون الدولي في «تفسير المعاهدات الدولية» حيثُ يرجعون في تفسير المعاهدات الدولية إلى أمورٍ على رأسها السياق واللغة الأصل التي كُتِبَتْ بها والتصرُّفات اللاحقة عليها لأطراف المعاهدات والأعمال التحضيرية والديباجة والرسائل المتبادلة وغير ذلك ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1)).
فالجميع يرجع في تفسير النصوص إلى لُغَتِها الأصلية، وسياقها، وأعراف الناس وتصرُّفاتهم عند وبعد وجود هذه النصوص للمرة الأولى، فالذي يُنكر ضرورة الرجوع إلى لسانِ وأعراف الخلفاء الراشدين وغيرهم مِن الصحابة رضي الله عنهم = يسلخ النصوص الشرعية مِن طرق تفسيرها، ويحرفها ويُلْحِد في معانيها؛ إِذا فهم النصوص بناءً على لغةٍ أخرى أو عُرْفٍ آخر غير لغة وعُرْفِ الخلفاء الراشدين وغيرهم مِن الصحابة رضي الله عنهم.
وقد فسَّرَ شيخُ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري معنى «التَّنُّور» على المشهور المعروف مِن كلام العرب، ثم قال مُعَلِّلًا ذلك في «تفسيره» (15/ 321): «وكلام الله لا يُوَجَّهُ إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب، إلا أن تقوم حُجّةٌ على شيءٍ منه بخلافِ ذلك ([2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2)) فيُسلّم لها، وذلك أنه جلّ ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به؛ لإفهامهم معنى ما خاطبهم به» أهـ.
¥