وأيضا فحدوث تعلق هو نسبة وإضافة من غير حدوث ما يوجب ذلك ممتنع فلا يحدث نسبة وإضافة إلا بحدوث أمر وجودي يقتضى ذلك.
الفتاوى الكبرى (6
229)
قدمنا أن الأشاعرة يقسمون صفات المعاني من حيث متعلقها:
1ـ ما يتعلق بالممكنات فقط وهما صفتا الإرادة والقدرة , القدرة تعلقها تعلق إيجاد , والإرادة تعلقها تعلق تخصيص.
2ـ ما يتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات وهما صفتا العلم والكلام
3ـ ما يتعلق بالموجودات فقط , وهما صفتا السمع والبصر
4ـ ما لا يتعلق بشيء وهي صفة الحياة.
أولا: ما يتعلق بالممكنات فقط وهما صفتا الإرادة والقدرة , القدرة تعلقها تعلق إيجاد , والإرادة تعلقها تعلق تخصيص.
أ- يرى الأشاعرة أن قدرة الله تتعلق فقط بالممكنات؛ وتعلقها تعلق إيجاد أو إعدام قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}؛ والإرادة كذلك متعلقة بالممكنات وتعلقها تعلق تخصيص؛ وهذه النقطة وافقهم عليها أهل السنة والجماعة في الجملة.
ب- كذلك وافق أهل السنة والجماعة الأشاعرة في أن قدرة الله لا تتعلق بالمستحيلات لأن المستحيل ليس بشيء على الصحيح؛ ومن يظهر خطأ من يسأل مثلا هل يستطيع الله عز وجل أن يخلق إلها مثله؟ ومثل هذا السؤال لا يصح أصلا لأن وجود آله آخر مستحيل وليس لأن الله عاجز عنه ولكن المستحيل ليس بشيء.
ت- بالنسبة لتعلق قدرة الله بالواجبات؛ وجدت من أهل السنة من يوافقهم على أن قدرة الله لا تتعلق بالواجبات ووجه ذلك أن الواجب لا يوصف بالإيجاد والإعدام وأما من استدركها على الأشاعرة فمن باب أن الأشاعرة ينفون صفات الله الفعلية الاختيارية فهم يرون أنه لا تقوم به سبحانه فلو جعلوا القدرة متعلقة به سبحانه للزم من ذلك إثبات الصفات الاختيارية وهي التي تتعلق بقدرته من التكلم والنزول والمجيء إلخ والصواب أن يفصل في هذه المسألة على قاعدة أهل السنة في الأمور التي تحتمل حقا وباطلا فإن أريد بتعلق قدرة الله بالواجبات نفي الصفات الاختيارية فلا يسلم لهم بذلك.
ث- الأشاعرة يفرقون بين قيام قدرة الله في الأزل وبين تجددها؛ فالقدرة واحدة عندهم وهي تعلقها الصلوحي وأما التنجيزي بعد ذلك فهو عدمي مجرد نسبة وإضافة من غير تجدد أو استمرارية.
وما ذكرناه في القدرة هو نفسه في الإرادة مع التنبه أن الأشاعرة ينكرون الإرادة الشرعية وهي المتعلقة بالرضى والمحبة.
ثانيا:ما يتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات وهما صفتا العلم والكلام.
أ- وافق أهل السنة والجماعة الأشاعرة في أن علم الله وكلامه يتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات؛ فالله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. وكذا كلامه فالله قد تكلم عن ذاته وصفاته وأسمائه وتكلم عن المخلوقات وتكلم عن المستحيلات.
ب- لكن الأشاعرة يفرقون بين اللفظ والمعنى فالقرآن مثلا عندهم هو دال على كلام الله النفسي.
ت- طبعا وينكرون قيام الكلام بالله أو أنه يتكلم متى شاء بما شاء كما هو معروف من مذهب أهل السنة.
ثالثا: ما يتعلق بالموجودات فقط , وهما صفتا السمع والبصر.
أ- وافق أهل السنة والجماعة الأشاعرة في أن السمع والبصر متعلق بالممكنات فالسمع متعلق بالمسموعات والبصر متعلق بالمبصرات.
ب – لكن الأشاعرة تفرق بين قيام هذه الصفات بالله منذ الأزل وبين قيامها بعد ذلك فمنذ الأزل تعلقها صلوحي وما بعد ذلك عند حدوث المسموعات والمبصرات تعلقها تنجيزي وهو غير حقيقي بل عدمي وهو فقط نسبة وإضافة؛ فهم ينكرون في الحقيقة قيام هاتين الصفتين بالله تعالى؛ وأهل السنة يقولون تعلقهما حقيقي وجودي أي يسمع ويبصر ويتجدد له السمع والبصر حسب ما يليق بجلاله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإنما المقصود هنا أنه إذا كان يسمع ويبصر الأقوال والأعمال بعد أن وجدت فإما أن يقال أنه تجدد وكان لا يسمعها ولا يبصرها فهو بعد أن خلقها لا يسمعها ولا يبصرها وإن تجدد شيء فإما أن يكون وجودا أو عدما فإن كان عدما فلم يتجدد شيء وإن كان وجودا فإما أن يكون قائما بذات الله أو قائما بذات غيره و الثاني يستلزم أن يكون ذلك الغير هو الذي يسمع ويرى فيتعين أن ذلك السمع والرؤية الموجودين قائم بذات الله وهذا لا حيلة فيه.
الكلابية يقولون في جميع هذا الباب المتجدد هو تعلق بين الأمر والمأمور وبين الإرادة والمراد وبين السمع والبصر والمسموع والمرئي فيقال لهم هذا التعلق إما أن يكون وجودا وإما أن يكون عدما فإن كان عدما فلم يتجدد شيء فإن العدم لا شيء وإن كان وجودا بطل قولهم.
وأيضا فحدوث تعلق هو نسبة وإضافة من غير حدوث ما يوجب ذلك ممتنع فلا يحدث نسبة وإضافة إلا بحدوث أمر وجودي يقتضى ذلك.
الفتاوى (6
229)
رابعا: ما لا يتعلق بشيء وهي صفة الحياة.
أ- وافق أهل السنة الأشاعرة في أن صفة الحياة لا تتعلق بشيء فهي صفة قائمة بالذات ولا تَعلُّق لها.
والحمد الله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
¥