فهم الذين نقلوا الشريعة أولًا، وبلُغَتِهم وعُرْفهم ومعارفهم وأفهامِهم يتسنَّى لِمَنْ بعدهم فَهْم المنقول ثانيًا، فمَن طعن فيهم أو تخَلَّى عنهم أو نزع يدًا مِن تبعيَّتِهم = فقد توجَّه بالشيء نفسه للنصوص الشرعية التي نقلوها، فالطعن في الناقلِ أو نزع اليد منه =طعنٌ في المنقول، وإهدار الناقل إهدارٌ لمنقوله، والوسائل في ديننا لها أحكام المقاصد.
وعن هذا تتحدَّث وقائع التاريخ ونصوص العلماء؛ فيقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: «لَمَّا جاء الرَّشيدُ ([4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4)) بشاكر رأس الزنادقة ليضرب عنقه؛ قال (( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4)[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn5)): أَخْبِرْنِي لِمَ تُعَلِّمُونَ الْمُتَعَلِّمَ منكم أولَ ما تُعلمونه الرَّفْضَ والقَدَر؟ قال: أَمَّا قولنا بالرفض فإِنَّا نريدُ الطعنَ على الناقلةِ، فإذا بطلت الناقلة أَوْشَكَ أَنْ نبطلَ المنقول، وأَمَّا قولنا بالقَدَر فإِنَّا نريدُ أَنْ نُجَوِّزَ إخراجَ بعضَ أفعال العباد لإِثبات قَدَر الله؛ فإذا جازَ أَنْ يخرجَ البعضُ جازَ أَنْ يخرجَ الكلُّ» ([6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn6)).
ويقول الإمام الكبير أبو زُرْعَةَ الرازيُّ:: «إذا رأيتَ الرجلَ ينتقص أحدًا مِن أصحابِ رسولِ الله ?؛ فاعْلَمْ أنَّهُ زنديق؛ وذلك أَنَّ الرسولَ ? عندنا حَقٌّ، والقرآنَ حَقٌّ، وإنما أَدَّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحابُ رسول الله ?، وإنما يريدونَ أَنْ يَجْرَحوا شهودَنا ليُبْطِلُوا الكتابَ والسنةَ، والجرح بهم أَوْلَى، وهم زنادقة» ([7]).
( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn7)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامٍ له:: « .. وذلك أنَّ أولَ هذه الأمة هم الذين قاموا بالدين تصديقًا وعِلْمًا وعَملًا وتبليغًا، فالطعن فيهم طعنٌ في الدين؛ مُوجبٌ للإعراض عما بعثَ الله به النبين، وهذا كان مقصود أول مَن أظهر بدعة التشيع؛ فإنما كان قصده الصّدّ عن سبيل الله، وإبطال ما جاءت به الرسل عن الله، ولهذا كانوا يُظْهِرُونَ ذلك بحسْبِ ضعفِ الملة» ([8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn8)).
رابعًا: الرضى بما ارتضاه الله عز وجل، وارتضاه رسوله ?:
وذلك عبر الكثير مِن الآيات والأحاديث الواردة في فضائل الصحابة رضي الله عنهم، ورِضَا الله عز وجل عنهم، وكذلك رضا رسوله ? عنهم، وما أعدَّه الله عز وجل لهم مِن ثوابٍ عظيمٍ، ومغفرةٍ وزرقٍ كريمٍ، في الدنيا والآخرة، والنصوص في ذلك لا حصر لها، وهي معلومةٌ مشهورةٌ ([9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn9))، فالذي يُؤمن بكتاب الله عز وجل وسُنَّةِ نبيِّه ? =يلزمه الإيمان بما ذكره الله عز وجل في كتابه، وما ذكره رسوله ? في سُنَّتِه عن الصحابة، وفضائلهم، والرِّضَى عنهم، والفوز العظيم، والجزاء الحَسَن الجميل الذي أُعِدَّ لهم عند الله عز وجل، فالإيمان بمنزلة الصحابة رضي الله عنهم التي ذكرها لهم الله عز وجل وذكرها لهم رسوله ? = من ضرورات الإيمان بالكتاب والسنة؛ لورود ذلك كله في الكتاب والسنة، والذي يزعم الإيمان بالكتاب والسنة ثم لا يؤمن بالنصوص الواردة في الصحابة رضي الله عنهم وفضلهم ومكانتهم والرِّضى عنهم وما أَعَدَّهُ الله عز وجل لهم مِن نعيمٍ مقيمٍ في جنة الخُلْد = هو في الحقيقة ممن ينطبق عليه قولُ الله سبحانه وتعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85].
وخلاصة القول: أن الإيمان بفضائل الصحابة رضي الله عنهم، وضرورة الرجوع إلى لُغَتِهم ولسانهم وفهْمِهِم وأعرافهم عند نزول النصوص الشرعية = مِن الحتميات والضرورات اللازمة لكلِّ مسلمٍ، فإِنَّما نزلت النصوص بلسانهم لتخاطبهم هم قبل غيرهم، ولا سبيل لمعرفة ماهية النصوص إلَّا بالرجوع إلى لسانهم وأعرافهم والوقوف على معارفهم وأفهامهم.
وقد حذَّرَ عز وجل مِن الخروج عن سبيلِهم وسبيل أتباعهم، وذكَرَ عقوبةَ ذلك؛ فقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].
فليتدبَّر القارئ في هذا العقاب الأليم، لمَنْ سلك غير سبيل المؤمنين، وفي مُقَدِّمتِهم الصحابة رضي الله عنهم ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
رضي الله عن صحابة نبيِّنا ?، وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهمَّ وسلِّم وبارك على عبدك ونبيك محمدٍ ?، وارضَ اللهمَّ عن آله وأصحابه رضي الله عنهم.
[email protected]
([1]) « القانون الدولي العام» د. أحمد أبو الوفا (ص/35 - 42).
([2]) يعني بخلاف الأشهر مِن معانيه عند العرب، ويُعلم ذلك بالقرائن المحيطة وهي الحجة التي أشار إليها الإمام الطبري رحمه الله.
([3]) «مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر» للإمام ابن منظور (3/ 103)، «تهذيب الكمال» للإمام أبي الحجَّاج المِزِّيِّ (1/ 339 – 340).
([4]) أمير المؤمنين: هارون الرشيد رحمه الله.
([5]) يعني: الرشيد رحمه الله.
([6]) «تاريخ بغداد» (4/ 308).
([7]) «الكفاية» للخطيب (ص/97).
([8]) «منهاج السنة النبوية» (1/ 18).
([9]) وتُراجع المؤلفات الكثيرة في موضوع «فضائل الصحابة رضي الله عنهم».
¥