تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هو مقرر ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى موصوف بما وصف وسمى به نفسه، وبما سماه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، لا في الأحرف ولا المعاني، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل أهل السنة والجماعة وسط بين المعطلة من الجهمية والمعتزلة ومتكلمة الصفاتية الذين شاركوا في التعطيل، وبين المشبهة والمجسمة، فهم وسط في هذا الباب كما هم وسط في سائر أبواب أصول الدين بين طوائف المسلمين. وأول مخالفة ظهرت في باب الأسماء والصفات -وهو من أخص أصول الإيمان والربوبية- لما أظهر الجعد بن درهم مقالة التعطيل، فزعم أن الله لا يوصف بصفة ولا يسمى باسم، وتابعه على ذلك الجهم بن صفوان، وصارت هذه المقالة تسمى عند السلف مقالة الجهمية نسبة إلى الجهم بن صفوان؛ لأنه هو الذي أشاعها وأذاعها ونشرها، ثم تقلدتها المعتزلة كأبي الهذيل العلاف ومن بعده، فصاروا يقررون هذا المذهب. ......

من هم الجهمية؟

وهنا يشار إلى مسألة وهي: أن (الجهمية) في كلام المتقدمين من أئمة الحديث لا يعنى به ضرورةً أتباع الجهم على سائر أصوله، وإنما يعنى به كل من نفى الصفات، سواء كان جهمياً من حيث الأصول أو لم يكن كذلك؛ ولهذا في فتنة خلق القرآن في زمن المأمون و المعتصم سمى السلف المخالفين لهم: (جهمية)، وسموا الرد عليهم: (الرد على الجهمية)، ومرادهم بالجهمية هنا: نفاة الصفات، سواء كانوا من أتباع الجهم أو من المعتزلة، ذلك أن المعتزلة تشارك الجهم في نفي الصفات، ولكن من المعلوم أن علماء المعتزلة يكفرون الجهم بن صفوان، ليس من جهة نفيه للصفات بل من جهة مسائل أخرى، فإن بين الجهم بن صفوان وأتباعه المختصين به وبين المعتزلة فروقاً في الأصول، وعلى سبيل المثال: ......

الفرق بين المعتزلة والجهمية

1 - المعتزلة وعيدية في مسائل الإيمان والأسماء والأحكام، والجهم بن صفوان على النقيض من ذلك، فهو على مذهب المرجئة الغلاة. 2 - المعتزلة تزعم أن مرتكب الكبيرة يفقد الإيمان، وأنه مخلد في النار، في حين أن الجهم بن صفوان يرى أن الإيمان هو محض المعرفة، وأنه لا يضر مع الإيمان ذنب. 3 - مسألة القدر: فإن الجهم من غلاة الجبرية -أي: أن العبد مجبور على فعله- في حين أن المعتزلة قدرية، يقولون: إن الله لم يخلق أفعال العباد، بل العبد مستقل بفعله. 4 - بينهم في مسألة الأسماء والصفات اشتراك وافتراق، فإن المعتزلة تقر بأصل الأسماء، في حين أن الجهم بن صفوان لا يقر بالأسماء ولا بالصفات؛ ولهذا فإن المعتزلة في الجملة دون الجهم بن صفوان من هذا الوجه، ولا نقول إنهم يثبتون الأسماء، لأنهم لا يلتزمون أن يسمى الرب سبحانه وتعالى بسائر ما سمى به نفسه أو سماه به رسوله، ولكن أصل الأسماء عندهم ثابت، والذي يتفقون عليه هو: أنه حي عليم قدير، وزاد بعض طوائفهم: أنه سميع بصير، فهذه الأسماء الخمسة هي مدار الإثبات عند المعتزلة. ......

ظهور المشبهة

لقد ظهر في الزمن المتقدم قوم يشبهون صفات الباري بصفات خلقه، وأول من حفظ عنه مذهب التشبيه هم طائفة من غلاة الرافضة الإمامية كهشام بن الحكم الرافضي، وهشام بن سالم الجواليقي وأمثالهما. فلم يكن إذ ذاك في الناس إلا إحدى ثلاث مقالات: 1 - مقالة السلف: وهي الأصل المجمع عليه بين الصحابة وأئمة التابعين، أن الله له أسماء حسنى وصفات علا تليق بجلاله. 2 - مقالة المعطلة الجهمية نفاة الصفات. 3 - مقالة المشبهة. ......

ظهور الكلابية والأشعرية والماتريدية

ثم حدث أن جاء رجلان بعد القرون الثلاثة الفاضلة، هما: أبو الحسن الأشعري، وأبو منصور الماتريدي، وقد ظهرا في آخر زمن الإمام أحمد، وقبل هذين الرجلين رجل اسمه عبد الله بن سعيد بن كلاب، وهو من علماء الكلام، وكان من أشد الناس رداً على المعتزلة، وانتحل مذهباً ملفقاً من مذهب الأئمة ومذهب المعتزلة، ويزعم أنه توسط بجمعه بين ذلك، فكان يثبت أصول الصفات ويقول بقدمها ولكنه لا يثبت الصفات الفعلية، فمثلاً يقول: إن الله موصوف بصفة الكلام، وأنه معنى واحد أزلي لا يتعلق بالقدرة والمشيئة، وتبعاً لذلك لا يكون عنده بحرف ولا صوت مسموع. ويقول: إن الله موصوف بالغضب، ولكنه واحد أزلي، وموصوف بالرضا، ولكنه واحد أزلي، وهكذا. وقد انتحل رأيه أمثال الحارث بن أسد المحاسبي الصوفي، الناسك المعروف، صاحب كتاب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير