تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بما في صدورهم مما قد يقع منهم مستقبلا في مسألة الإيمان وثبات القلوب عليه من عدمه. فناسب أن يأتي بصيغة المضارع المشعرة بتجدد مايقع منهم مما يحيط به علمه تعالى والتجدد هنا من دلالة المضارع على الاستمرار التجددي.

وعلمه تعالى ليس متغيرا بتغير الزمان لأنه لو حُكِم بأنه زاد علمه في الزمن المستقبل لدل ذلك على نقصه في الزمن الماضي، ويلزم من ذلك أنه تعالى لا يعلم ما يكون في المستقبل حتى يقع، وهذا مما ينزه عنه علمه تعالى، فهو محيط الآن وقبله بما يقع منهم مستقبلا، وإنما جيء بصيغة المضارع للإشارة إلى لازم العلم. أي أن كل ما تقولونه وتفعلونه مما يؤكد صدقكم إنما هو واقع في علم الله تعالى ويعلم الآن كيف يكون مستقبلا. والتجدد للازم وليس للعلم لأن علمه تعالى متصف بالكمال فلا يصح أن يكون علمه على صفة تشعر بتغيره بين زمنين. وإنما يستفاد من المضارع لازمه من أن العلم محيط بكل ما يتجدد من أفعال العباد الظاهرة والباطنة، وهي أمور دنيوية متجددة متغيرة، فكان الإخبار عن العلم بها بما يناسب تجددها وحدوثها وذلك بصيغة المضارع (يعلم).

أما آية فاطر: (إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور) وردت عقيب الحديث عن حال الذين كفروا يوم القيامة بعد دخولهم النار، فالآية في سياق الحديث عن يوم القيامة، والتعبير جاء باسم الفاعل الذي لا يلحظ فيه زمن فهو إخبار عن مطلق علم الله الذي أحاط بما عملوا في الدنيا فلا يناسب أن يجيء بصيغة المضارع المشعرة بتجدد لازمه من أفعال العباد المحاطة بالعلم، لأنهم في موقف انتهى فيه العمل ولا يقع منهم في المستقبل عمل يحاسبون عليه، وإنما هو موقف جزاء، وهم موقنون غاية اليقين في ذلك الحين أنه قد أحاط من قبل بما عملوا. وسواء كانت الآية تعليلا لقوله تعالى: (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاء كم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير)، أم كانت استئنافية لا تعلل لما قبلها فإنها تدل على مطلق العلم _ وليس كما في المضارع حين يشير إلى تجدد لازم العلم _ فلم يستعمل اسم الفاعل هنا للإشارة إلى لازم العلم مما يتجدد. لأنها إن كانت تعليلية فإنها من صلة الآية التي قبلها فتكون في نفس سياق ما خوطبوا به يوم القيامة، وإن كانت استئنافية لا تعلل لما قبلها فإنه ليس في الآية ما يحتاج إلى الإشارة إلى تجدد الإخبار عن العلم بتجدد لازمه.

وقد بينا في كتابنا المشار إليه أعلاه، أن الإخبار عن العلم بصيغة المضارع إذا أريد به التجدد فإنه ليس تجددا لعلمه تعالى بل التجدد للازم العلم، وصيغة المضارع تفيد الإخبار عن دخول ذلك التجدد في علمه تعالى، وهذا هو الفارق المهم بين الآيتين لأن آية الحجرات عللت لتجدد ما يقع في العلم فجاء الإخبار عن العلم بصيغة المضارع، وآية فاطر ليس فيها ما يشير إلى تجدد ما يقع منهم من عمل لانقضاء دار العمل.

وللاستزاده في مسألة الأخبار بصيغة المضارع عن علم الله ينظر مبحث (وقوع المضارع موقع الماضي بعد حرف التحقيق للاستمرار) ص 208.

وبالمناسبة فإن صفة علم الله أغلب مجيئها -إن لم يكن كله -على صيغة اسم الفاعل إنما يكون في سياق الحديث عن اليوم الآخر.

فائدة:

إن الناصبة تفيد التعليل كما في قوله: (إن الله يعلم غيب السماوت والأرض) وكما في قوله تعالى: (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم) فهي تفيد التعليل فالمعنى في سورة الحجرات _ والله أعلم _: (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان، فإن الله يعلم غيب السماوات والأرض، أي إن كنتم صادقين في إيمانكم دائمون عليه فإن الله يعلم غيب السماوات والأرض، وعلمه بغيب السموات والأرض يدخل فيه ما في صدورهم.

والمعنى في قوله تعالى: (فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم) أي اسلكوه لأنه كان لايؤمن بالله العظيم أي عقابا لعدم إيمانه.

وكتابه المذكور " بلاغة القرآن الكريم "

الرابط في ملتقى أهل التفسير

http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=58579

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[14 - 02 - 09, 12:54 ص]ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير