تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا أظن في أشعري مسلم، أنه يرتضي أن يُتهم إمامه بالردة عن دين الحق، أو بأنه كان نَهْبَ الحيرة والاضطراب في عقيدته، أو بأنه كان ذا وجهين، وجه ينافق به المعتزلة والمعطلة، فكتب في تأويل الصفات أو نفيها، ووجه آخر ينافق به السلفيين، فيكتب في إثبات الصفات، ولا أظن في إنسان يحترم الحقيقة أنه يجنح إلى الريبة في صحة نسب الكتاب إلى الأشعري من غير دليل، إلا إن كنا نعتبر نزغ الهوى دليلاً!!. كما لا أظن أنه يرتاب في أن الأشعري ظل يؤمن بكل كلمة قالها فيه، ولم يؤلف كتاباً آخر ينقض به ما أثبته في الإبانة.

والذين يُجلون الأشعري، ويفخرون بالانتساب إليه، لا أظن أيضاً أنهم يجرؤون على إنكار هذه الحقيقة التي أذكرهم بها مرة أخرى: تلك هي أن ما انتهى إليه مذهب الأشعري على يد بعض أتباعه يخالف ما كان عليه الأشعري نفسه، ويناهضه، وأن ما كتبه الرازي، أو الجويني وغيرهم من تأويلات يناقض عقيدة الأشعري كل المناقضة، وينتسب برحمٍ ماسَّةٍ إلى المعتزلة والجهمية الذين كفَّرهم أبوالحسن الأشعري!! فهل بعد هذا أستطيع أن أُقدِم على الظن بأن أشاعرة اليوم لن يُقْدِموا على تحطيم إمامهم الكبير؛ ليبنوا على أنقاضه بعض الذين أبوا إلا أن يجحدوا بدين إمامهم الكبير، وإلا أن يعينوا عليه عدوّه من الجهمية والمعتزلة!! وإلا أن يَسُبُّوا كبار أئمتهم؛ كالأشعري، ليسبوا ـ بَغْياً ـ أنصار السنة؟.

رأي الأشعري في كتاب المقالات: وكتاب المقالات من أنفس وأجل الكتب التي عنيت بترجمة آراء الفرَق الإسلامية وغير الإسلامية، وقد سماه: "مقالات الإسلاميين، واختلاف المصلين"، وكل أشعري يفخر بهذا الكتاب، غير أن الكثير منهم كان يتمنى أن يحذف منه الأشعري هذا الباب الذي عنون له بقوله: "هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث، وأهل السنة". ولقد بدأه بذكر طرف من عقيدة أهل السنة، ثم ذكر أنهم يُقرون بأن الله سبحانه على عرشه، وأن له يدين بلا كيف، وأن له عينين بلا كيف، وأن له وجهاً، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، وأنه يجيء يوم القيامة، وأنه يقرب من خلقه كيف يشاء، وأنهم يرون اتباع من سلف من أئمة الدين، ومجانبة كل بدعة، وكل داع إلى بدعة. وقد ذكر أبوالحسن بجوار كل مسألة أدلتها النقلية من القرآن والسنة. ثم قال: "وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبنا، ونعم الوكيل" (6).

لقد خشي الأشعري أن يظن به ظان أنه ليس من أهل السنة، فعقب على رأي أهل الحديث بما عقب. وهكذا نرى الأشعري لا يترك فرصة تسنح من غير أن يَهْتَبِلَها؛ ليثبت أنه على عقيدة السلف، هذا لأن ولاءه القديم للمعتزلة كان شبحاً رهيباً يؤرقه، ويثير ثائرة شَجْوِه، ويُسعر جحيم الندامة في أعماقه، ويريب فيه أُمَّة من الناس، ويدفعه إلى أن يؤكد في كثير من كتبه التي ألفها بعد توبته من الاعتزال أنه على عقيدة السلف. تُرى، هل اقتنع الأشاعرة؟.

إني لأخشى أن يستبد بهم العناد، فيدفعهم إلى دَمغ إمامهم الكبير أبي الحسن الأشعري بالزيغ والتجسيم؛ ليرموا بنفس هذا البهتان أنصار السنة المحمدية!! أخشى أن يصموا آذانهم عن هذا النداء الخالص من النية الصافية، ومن جلال الحقيقة وسمائها، فيصموا إمامهم الكبير بالردة عن حقيقة الدين الحق!! أما نحن "أنصار السنة المحمدية" فنبرئ إمام الأشاعرة الكبير من هذه الوصمة الشنعاء.

رأي الباقلاني

والباقلاني هو ـ كما يقول: ابن تيمية في "الحموية" -: "أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري، ليس فيهم مثله، لا قبله، ولا بعده". وقد سجل الباقلاني: أنه سلفي العقيدة في كتبه الآتية: التمهيد، والإبانة، والحيرة، وننقل هنا رأيه عن التمهيد.

إيمانه بالاستواء: قال الباقلاني: "إن قال قائل: فهل تقولون: إن الله في كل مكان؟.

قيل: معاذ الله، بل هو مستوٍ على العرش، كما أخبر في كتابه، فقال عزّ وجل: (الرحمن على العرش استوى)، وقال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب)، وقال: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير