أعتقد أن ابننا الباحث الشاب، قد قدَّم للعلم والدين خدمة، ينبغي أن تقدَّر وتُشكر، سواء وافقناه عليها أم خالفناه فيها. آملا أن يتقبَّلها العلماء المعارضون لها بصدر رحب، ولا يضنُّوا عليها بالنقد البناء، لا بالسبِّ والهجاء. فبالنقد الحرِّ المنصف تتجلَّى الحقيقة لعشَّاقها، كما يظهر عوار الباطل وإن لبس لبوس الحقِّ أحيانا.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، ووفِّقنا لاجتنابه، {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].
الفقير إليه تعالى يوسف القرضاوي)))
تقريظ شيخنا العلامة وهبي سليمان غاوجي الألباني: (قطوف من رياض القول التمام)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، دعا الناس إلى الله تعالى، وتركهم في دينهم على بينة ونور.
1 - في هذه القرون التي يحارب فيها الإسلام بكل سلاح، ويشهر في مقابل الإيمان بالله تعالى سلاح عبادة الشيطان والهوى، في هذه الأيام اشرأب فيها الكفر حتى طغى وتجاوز كل حدّ، يخرج على الناس بعض الجهلة بترديد أقوال في صفات الله تعالى، ردها السلف الصالح، ورفضها كبار العلماء، ولقد أكرم الله تعالى الشيخ سيف بن علي العصري فكتب (386) صفحة تحت عنوان "القول التمام بإثبات التفويض مذهباً للسلف الكرام"، وقد حشر لبحث (403) مصدرا، نقل فيه أقوال الأعلام في هذا الباب، فجزاه الله خيراً.
ذكر: أن صفات الله تعالى على أقسام ثلاثة:
القسم الأول: ما هو كمال محض، وهي الصفات التي ما هياتها وحقائقها لا تستلزم الحدوث ولا الجسمية، كمعاني الوجود والعلم والسمع والبصر ونحوها، فهي ثابتة لله تعالى على ما يليق به ... الخ.
القسم الثاني: ما هو من الصفات نقص محض، فهذا يؤول قطعاً ولا يفوض، كالنسيان في قوله تعالى: [الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا فَاليَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ] {الأعراف:51}
القسم الثالث: ما يوهم بمعناه الظاهر الحقيقي النقص، لأنه بمعناه الظاهر الحقيقي دال على صفات الأجسام، وله في لغة العرب معاني أخرى لائقة بالله تعالى، لا تختص بالبشر ولا بالمخلوقات، فليست تدل على أجزاء ولا أعضاء ولا أركان ولا انفعالات لجسم ما، بل على أفعال تليق أغلبها بالله تعالى، مثال ذلك اليد، فإن لها معاني كثيرة، الحقيقي منها الجارحة، فهذا المعنى ينفى قطعاً باتفاق السلف والخلف ... الخ
فالسلف يفوضون علم المراد من نصوص الصفات إلى الله، وهذا القسم هو الذي يفوض، ولقد أخطأ رجل من القرن السابع تصور التفويض فزعم أن التفويض هو اعتقاد أن نصوص الصفات لا معنى لها، وهذا التصور فاسدٌ قطعاً، أما التفويض فهو كما تقدم هو [اعتقاد أن لنصوص الصفات معاني لائقة نسكت عن تعيينها، ونكل علم ذلك إلى الله تعالى، هذا هو التفويض]، هاك نقول من العلماء الكبار بلغت (114) قولاً، بدأها بقول الإمام أبي حنيفة وثنى بمالك والشافعي وأحمد.
فنقل أن الإمام أبا حنيفة قال في الفقه الأكبر (ص/26): ويتكلم لا ككلامنا، ويسمع لا كسمعنا، ونحن نتكلم بالآلات والحروف، والله تعالى يتكلم بلا آلة ولا حروف، والحروف مخلوقة، وكلام الله تعالى غير مخلوق، وهو شيء لا كالأشياء، ومعنى الشيء الثابت بلا جسم ولا جوهر ولا عرض، ولا حدَّ له ولا ضد له ... الخ.
وقال الترمذي تحت باب (باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار) تعقيبا على حديث " فتقول هل من مزيد حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها ": والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رَوَوْا هذه الأشياء، وقالوا: تروى هذه الأحاديث ويؤمن بها ولا يقال: كيف؟ وهذا الذي اختاره أهل الحديث، أن يرووا هذه الأشياء كما جاءت، ويؤمن بها ولا تُفسر ولا تُتوهم ولا يُقال: كيف؟ وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه. اهـ
وقال الذهبي: والمحفوظ عن مالك رحمه الله رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات، فقال: أمرها كما جاءت بلا تفسير. اهـ سير أعلام النبلاء (8/ 105).
¥