تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - طيّبات الدنيا ونعيمها مشترك بين خلائق الله مؤمنهم وكافرهم، ولكن: (الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) [محمد: 12]، وفي "الصحيح" قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ». قال في "المفهم": فيه حُجّة على تفضيل الفقر. انتهى، وقال في "المرقاة": "لهم الدنيا": أي موسّعة خالصة، "ولنا الآخرة": أي: مرصّعة خالصة. انتهى. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لهم الدنيا": لا يُستفاد منه: قصر نعيمها وطيّباتها عليهم دون المؤمنين، وإنّما المراد: أنّ نعيم الكافرين في الدنيا ليس يحدّه حد، وأمّا حال المؤمنين في الحياة الدنيا: فإنّه يدور على: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن"، وفي "الصحيحين" عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من شرب الخمر فى الدُّنيا، ثم لم يتب منها: حُرِمَهَا في الآخرة»، وفي "الصحيح" عن عمر رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن لبس الحريرَ في الدنيا: لم يلبسه في الآخرة».

5 - شرْط صحّة العبارة المتداولة في لسان العامّة: (الدنيا ليست دار عدل): أنْ يَستأثر أهل الكفر والمعصية بأموال العالَم دون المؤمنين؛ وهذا ما لم نجده، بل إنّا نجد من المؤمنين في القديم والحديث مَن رزقه الله من الأموال الشيء الكثير العظيم ..

6 - إنّ الكافر في ضنك مستمر، وإنْ ظهر في أعين الناس أنّه من أغناهم، قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) [طه: 123 - 124].

قال ابن عاشور: (والضّنك: الضِّيْق، يُقال: مكان ضنك، أي ضَيِّق، ويستعمل مجازًا في عسر الأمور في الحياة .. ).انتهى، وقد اختُلف في الموضع الذي يكون فيه الضنك: فقيل: في الآخرة. وقيل: في الدنيا. وقيل: في القبر واختاره الطبري. ولا مانع من الشمول، قال ابن عاشور في معنى قوله تعالى: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا): أنّ مجامع همّه، ومطامح نظره: تكون إلى التحيّل في إيجاد الأسباب والوسائل لمطالبه؛ فهو متهالِك على الازدياد، خائف على الانتقاص، غير ملتفت إلى الكمالات، ولا مأنوس بما يسعى إليه من الفضائل، يجعله الله في تلك الحالة وهو لا يشعر، وبعضهم يبدو للناس في حالة حسنة ورفاهية عيش ولكن نفسَه غير مطمئنة).انتهى.

وأختم هذه الكلمة المختصرة بحديث:

سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربة ماء». أخرجه الترمذي، وقال: صحيح غريب. انتهى،

فلو قال العامّة: (لو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربة ماء)، لكان أحسن من قولهم: (الدنيا ليست دار عدل)، والله تعالى أعلم وأحكم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير