[استشكال حديث " خلق الله آدم على صورته "]
ـ[أبو حفص المصمودي]ــــــــ[02 - 06 - 10, 08:01 م]ـ
استشكل بعض الناس حديث: «خلق الله آدم على صورته».
وقالوا كيف يكون لله صورة، أو مثال؟ أليس هذا من التشبيه المنهي عنه؟
ثم إن هذا الحديث ينكره العقل، ولا يثبته؛ لذلك حمله بعض أهل العلم على التأويل خروجا من هذا الإشكال المتوهم، حتى قال بعضهم: إن الضمير في "صورته" عائد على آدم لا الذات الإلهية.
الجواب عن هذه الاستشكالات والطعون بعون الملك الوهاب:
إن مذهب أهل السنة والجماعة يقتضي أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات , من غير تحريف ولا تعطيل , ومن غير تكييف ولا تمثيل , بل يؤمنون بأن الله سبحانه (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه , ولا يحرفون الكلم عن مواضعه , متبعين في ذلك كتاب الله والسنة وما ورد عن سلف الأمة , ثم هم ينكرون على من حرَّف صفات الله أو مثَّل الله بخلقه , لأن ذلك تعدٍّ على النصوص وقول على الله بلا علم , إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات , فكما أنه عز وجل لم يخبرنا عن كيفية ذاته , فكذلك لا نعلم كيفية صفاته , لكننا نثبتها كما يليق بجلاله وعظمته.
ولكن لا شك أنهم – أعني السلف – كانوا يفهمون معاني ما أنزل الله على رسوله من الصفات , وإلا لم يكن للأمر بتدبر القرآن فائدة ,
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه – على ما يليق الله – لما قالوا: الاستواء غير مجهول , والكيف غير معقول , ولما قالوا: أمرُّوها كما جاءت بلا كيف , فإن الاستواء حينئذٍ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم , وأيضاً: فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى , وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبت الصفات , وأيضاً: فإن من ينفي الصفات الخبرية , أو الصفات مطلقاً لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف , فمن قال: إن الله على العرش , لا يحتاج أن يقول: بلا كيف , كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف , وأيضاً فقولهم: أمروُّها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه , فإنها جاءت ألفاظ دالة على معانٍ , فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمرُّوا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد , أو أمرُّوا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة , و حينئذٍ فلا تكون قد أمرت كما جاءت و لا يقال حينئذ: بلا كيف , إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول. ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1))
وحديث " خلق الله آدم على صورته " أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، وغير واحد من أصحاب السنن والمسانيد من أئمة الإسلام وعلماء الحديث، واللفظ المتفق عليه عند الشيخين " خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن" ([2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2)).
ورواه الإمام مسلم من طريق آخر بلفظ: «إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» ([3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn3))
والحديث عند غير الشيخين بطرق صحيحة مستقيمة، واكتفينا بهذين الطريقين لما للبخاري ومسلم من الجلالة والثقة بما لايجعلنا نتتبع طرق الحديث إن كان عندهما أو عند أحدهما.
والصُّورَةُ: صفةٌ ذاتيةٌ خبريةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالأحاديث الصحيحة. ([4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4)) على ما يليق به جل وعلا، فصورته صفة من صفاته، لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تشبه ذواتهم.
والصورة؛ الشكل والهيئة والحقيقة والصفة. ([5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn5)) فكل موجود لابد أن يكون له صورة.
¥