[شبهة التركيب عند الفلاسفة والمتكلمين والرد عليها]
ـ[أبو حاتم المدني]ــــــــ[08 - 07 - 10, 08:13 م]ـ
[شبهة التركيب عند الفلاسفة والمتكلمين والرد عليها]
شبهة التركيب عند الفلاسفة
إن الفلاسفة - كأرسطو ومن اتبعه - قد اعتمدوا في إثبات الصانع على دليل الإمكان, فالوجود ينقسم عندهم إلى: واجب, وممكن.
وهذه الممكنات مفتقرة إلى الواجب في الوجود, فالممكن لابد له من واجب.
وغايروا بين الممكن والواجب فزعموا أن الممكن مركب مفتقر إلى جزئه, وجزؤه غيره, والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه.
وأما واجب الوجود فلا يكون مركبا.
قال ابن القيم: ((أما الفلاسفة فأثبتوا وجود الصانع بطريق التركيب, وهو أن الأجسام مركبة, والمركب يفتقر إلى أجزائه, وكل مفتقر ممكن, والممكن لا بد له من وجود واجب, وتستحيل الكثرة في ذات الواجب بوجه من الوجوه؛ إذ يلزم تركيبه, وافتقاره, وذلك ينافي وجوبه, وهذا هو غاية توحيدهم, وبه أثبتوا الخالق على زعمهم)) ()
وعلى هذا: نفوا صفات الله؛ إذ لو كان موصوفا بالعلم والقدرة ونحو ذلك من الصفات لكان مركبا, والمركب مفتقر إلى جزئه, وجزؤه غيره, والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه. ()
فالواحد عندهم لا يصدر عنه إلا واحد؛ لأن صدوره عن اثنين يقتضى تعدد المصدر؛ وذلك يستلزم التركيب الممتنع.
فمدار كلامهم في التوحيد والصفات كله على لفظ التركيب. ()
ويتلخص مما سبق:
أن الفلاسفة جعلوا عمدتهم فيما ينفونه هو نفي التركيب, واعتمدوا في نفي التركيب على إمكان التركيب, واعتمدوا في إمكان ذلك على أن المجموع لا يكون واجبا لافتقاره إلى بعض أفراده. ()
وهاهنا سؤال: كيف نفوا الصفات بهذا الدليل؟
إن هؤلاء الفلاسفة بنوا أصل دينهم على أن الوجود لا بد له من واجب, وأن الواجب يشترط أن يكون واحدا, كما تقدم.
ويعنون بالواحد ما لا صفة له, ولا قدر, ولا يقوم به فعل؛ لئلا يثبتوا له صفة كالعلم والقدرة. ()
فالتوحيد عندهم هو نفي صفات الله تعالى؛ إذ كل من اتصف بالصفات عندهم فهو مركب, والواجب لا يكون مركبا.
فخلاصة قولهم: إن واجب الوجود: هو الذات دون صفاتها. ()
?
المبحث الثاني:
شبهة التركيب عند المتكلمين
إن كثيرا من المتكلمين النفاة كثر خوضهم في توحيد الله وصفاته بلفظ " التركيب ", وأما مثبتة الصفات فهم مضطربون, فتارة يبينون فساد حجة النفاة بذلك, وتارة يقررونها. ()
فتجد المعتزلة يجعلون نفي علم الله, وحياته, وكلامه, وسمعه, وبصره, وسائر صفاته من التوحيد, ويسمون أنفسهم الموحدين, ويعنون بالتوحيد نفي الصفات. ()
فالمتكلمون تأثروا بالفلاسفة في استعمال هذا اللفظ المجمل, وأخذوا به في بعض صوره, فألزمهم الفلاسفة بالأخذ به في بقية الصور.
قال شيخ الإسلام عن الفلاسفة: ((أخذوا لفظ التركيب الذي وافقتهم بعض أهل الكلام على نفي معناه, وتوسعوا فيه, حتى جعلوه أعم مما وافقهم عليه أولئك المتكلمون, ونفوه, وصاروا كالجهمية المحضة التي تنفي الأسماء والصفات, أو تثبتها على وجه المجاز)) ()
?
المبحث الثالث:
مناقشة شبهة دليل التركيب
تتلخص حجتهم: أن المركب مفتقر إلى جزئه, وجزؤه غيره, والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه.
والجواب عن هذه الحجة الداحضة من وجوه:
الوجه الأول: أن هذه الشبهة قد استندت على ألفاظ مجملة تحتمل حقا وباطلا () , كالتركيب, والجزء, والغير, والافتقار.
فأولا: قولكم" كل مركب" فيدخل في التركيب ما ركبه المركب, كالأجسام المركبة من مفرداتها من الأغذية, والأدوية, والأشربة, ونحو ذلك.
ويدخل فيه ما يقبل تفريق أجزائه كالإنسان, والحيوان.
ويدخل فيه ما يتميز بعض جوانبه عن بعض.
ويدخل فيه الموصوف بصفات لازمة له, وهذا هو المراد عند هؤلاء.
فيقال له: حينئذ يكون المراد أن كل ما كان له صفة لازمة له فلابد في ثبوته من الصفة اللازمة له, وهذا حق, وهب أنكم سميتم هذا تركيبا فليس ذلك ممتنعا. () فلا توجد الذات إلا مع وجود صفتها الملازمة لها, ولا توجد الصفة إلا مع وجود الذات الملازمة لها.
فالتركيب إذن يطلق ويراد به خمسة معان:
الأول: تركيب الذات من الوجود والماهية عند من يجعل وجودها زائدا على ماهيتها، فإذا نفيت هذا التركيب جعلته وجودا مطلقا، إنما هو في الأذهان لا وجود له في الأعيان.
¥