تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تناقضات الأشعرية (15): في إدخالهم الماتريدية في أهل السنة والجماعة، وإخراجهم المعتزلة منهم]

ـ[محمد براء]ــــــــ[16 - 06 - 10, 04:19 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تناقضات الأشعرية (15):

في إدخالهم الماتريدية في أهل السنة والجماعة، وإخراجهم المعتزلة

الماتريديةُ من أكثرِ الطوائف قُرباً من الأشعريَّة في أصولِ الدين، ومن تكلَّمَ من المتأخرين من الأشعريَّةِ أو الماتريدية في المسائل الخلافيَّةِ بينهما صرَّح بأن الجميعَ أهلُ سُنَّةٍ وجماعة، وأن الخلافَ بينهما في بعض المسائل لا يُخرِجُ أياً من الحزبين عن اسم أهل السنة والجماعة (1).

أما المعتزلةُ: فالأشعريَّةُ مجمعون على ذمِّهم وتبديعِهم ومن أئمَّتهم من كفَّرهم في بعض المسائل.

وإذا نظرنَا في الخلاف بين المعتزلة والأشعرية في بعضِ المسائل التي بدَّع الأشعريَّةُ المعتزلةَ أو كفَّرُوهم من أجلها، ونظرنا في المسائلِ الخلافية بين الأشعرية والماتريدية، وجدنَا أنَّ الأشعرية بدَّعُوا المعتزلة أو كفَّرُوهم في مسائلَ نظيرةٍ لمسائلَ قال الماتريديَّةُ بها، فالحكمُ على المعتزلة بالابتداعِ، وعلى الماتريديَّةِ بالتسنن والاتباعِ - حينئذٍ – تطفيف في الميزان!

وسأبيِّنُ ذلك بمثالين بمشيئتِه تعالى.

أما الأول: فإن أهل السُّنَّةِ والجماعَةِ يثبتون رؤيةَ المؤمنين لله تبارك وتعالى في الآخرةِ، ويثبتونَ أيضاً أنَّ كلام الله تعالى مسموعٌ، والأشعرية يثبتونَ – باللسان - كلا الأمرين.

وقد خالف في المسألة الأولى المعتزلةُ، وخالف في المسألة الثانية الماتريديَّةُ، وأهلُ السنة يحكمونَ على الجميع بحكمٍ واحد؛ فيبدِّعون كلا الطائفتين، لا يحكمون على الأولى بالابتداع وعلى الثانية بالاتباعِ – فعلَ الرعاع -.

أما الأشعريةُ، فقد كالوا بمكيالينِ، فحكموا على المعتزلة بالكفرِ أو الابتداع (2)، وجعلوا الماتريدية إخوانهم وأهلَ سُنَّةٍ مثلَهم!

وقال الرازي في مناظراتِه مع بعض الماتريدية: " مذهبُ أهل ما وراء النهر أن الله تعالى متكلِّمٌ بكلامٍ قديم قائمٍ بذاته منزَّهٍ عن الحرف والصوت كما هو مذهبُ الأشعري، إلا أن الفرقَ أن الأشعريَّ يقولُ: ذلك الكلامُ يصحُّ أن يكونَ مسمُوعاً وأمَّا أبو منصور الماتريديُّ وأتباعُه من أهل ما وراء النهر فإنهم يقولون: إنه يمتنعُ أن يكون ذلك الكلامُ مسموعاً.

فتكلَّمُوا معي في هذه المسألة.

فقلتُ لهم: إنَّ المعتزلة استدلُّوا على امتناعِ الرؤية فقالوا: ثبت بالدليلِ أنَّ الله تعالى ليس بجسمٍ وليس مختصَّاً بالجهة والحيِّز وليس له شكلٌ ولا لونٌ، وكلُّ موجود كذلك فإنَّهُ يمتنعُ رؤيتُه، فقلتم في الجواب عنه: لم قلتُم إنَّ الموجود الموصوفَ بهذه الصفات امتنع رؤيته، وبأي دليلٍ عرفتم هذا الامتناع؟

وأنا أقول: كما أنه يستبعدُ سماعُ كلام لا يكون حرفاً ولا صوتاً، فكذلك يستبعدُ رؤية موجودٍ لا يكونُ جسماً ولا حاصلاً من جهةٍ معيَّنةٍ، فإن كان هذا الاستبعادُ مُعتبراً فليكن مُعتبراً في الموضعينِ، وحينئذٍ نُلزمكم أن تحكموا بامتناعِ رؤيته، وإن كانَ باطلاً في الموضعين فحينئذٍ نُلزمكم أن تحكُموا بأنه لا يمتنعُ سماعُ كلامٍ لا يكونُ حرفاً ولا صوتَاً. فانقطعُوا بالكُليَّة، وعَجَزُوا عن الفرقِ، والله أعلم " (3).

قال مقيده عفا الله عنه: يقالُ للرازي وأصحابِه: ما دامَ القومُ عاجزين عن الفرقِ: فكما أنكم حكمتُم على المعتزلة بالابتداع من أجل نفيِهم الرؤية، فاحكمُوا على هؤلاء بالابتداع لنفيِهم السماع، أو تجعلوا الفريقين من أهل السنة، فيصيرُ أهلُ السنة هم المعتزلةُ والأشاعرةُ والماتريدية!!، وغيرُ ذلك: تناقضٌ جليٌّ.

أما المثال الثاني: فهو أنَّ قول الماتريديَّةِ والمعتزلة في القدر، يكادُ يكون واحداً، كما صرَّح به شيخٌ من شيوخ الأشعريَّة من أهل الزمان المتأخِّر وهو محمد زاهد الكوثري، إذ يقول – في ما نقله عنه صديقُه مصطفى صبري -: " إنَّ مذهب المعتزلة القدريَّة الذي انقرضَ رجاله ما زال يعيشُ في هذه المسألة تحتَ اسم الماتُريديَّة!! " (4).

قال مقيده عفا الله عنه: يا لله العجب! كيف يكونُ الماتريدية القدرية من أهل السنة عند هؤلاء الأشاعرةِ، ويكون المعتزلة القدرية مبتدعة؟! أم أنَّ التخبُّطَ في منهج التلقي والاستدلالِ، أنتج تخبُّطَاً في منهج الحكم على المخالفِ والولاءِ والبراءِ؟!

والله المستعان.

ـــــــــــ

(1) انظر عداء الماتريدية (1/ 417) وما بعدها، على أن الآمدي لما ذكر الفرقة الناجية قال في أبكار الأفكار (5/ 96): " وهذه الفرقة هي الأشاعرة والسلفية من المحدثين وأهل السنة والجماعة، وذلك لأنهم لم يخلطوا أصولهم بشيء من بدع القدرية والشيعة والخوارج والمرجئة والنجارية والجبرية والمشبهة مما سبق تحقيقه من بدعهم وأقوالهم "، فلم يذكر الماتريدية فيهم، ويمكن تفسير ذلك بما نقله في عداء الماتريدية (1/ 431 - 432) عن بعضهم من أن المتأخرين اصطلحوا على تسمية الفريقين أشاعرة، تغليباً للأشعرية على الماتريدية.

(2) قال الجويني - كما في المعيار المعرب (11/ 247) -: " وأما التكفير بنفي جواز الرؤية فصرَّح به شيخنا في الموجز، وردد القاضي جوابه فيه ".

(3) مناظرات الفخر الرازي (53)، وانظر: عداء الماتريدية (1/ 463 - 466).

(4) موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين (3/ 392).

الحلقة السابقة:

تناقضات الأشعرية (14): في التكفير ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=207802)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير