أهل السُنَّة أحرص الناس على الاجتماع والائتلاف، وأبعد الناس عن الافتراق والاختلاف
ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[04 - 07 - 10, 12:33 ص]ـ
إن اعتصام أهل السُنة بالجماعة من أهم أركان منهجهم المبارك.
قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة آل عِمران – الآية 103].
قال ابن جرير الطبري: "يُريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدينِ اللهَ الذي أمركم به، وعَهْدِهِ الذي عَهِدَهُ إليكم في كتابه إليكم؛ مِن الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله". (تفسير الطبري ج4، ص30).
وروى ابن جرير الطبري بأسانيده إلى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في تفسير "حبل الله" في قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [سورة آل عِمران – الآية 103]: "الجماعة". (تفسير الطبري ج4، ص30)، ومثل هذا نقله القرطبي عنه في التفسير. (تفسير الطبري ج4، ص159).
وذكر ابن جرير أقوالاً أخرى عن السلف في تفسير معنى حبل الله، منها: القرآن، والإخلاص لله وحده، والإسلام. (تفسير الطبري ج4، ص30، 31).
وقال الشوكاني في نفس الآية: "أمر الله أن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن، ونهاهم عن التفرق الناشيء عن الاختلاف في الدين". (فتح القدير ج1، ص367).
"وهذه الأقوال مؤداها واحد ونتيجتها واحدة، فإن الاعتصام بالقرآن، والإخلاص لله وحده، والتمسك بالإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كلها مما ينتج عنه تآلف المسلمين واجتماعهم وترابطهم، وتماسك مجتمعهم". (وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق – د. جمال بادي ص19، 20).
قال ابن القيم رحمه الله في حقيقة هذا الاعتصام: "وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم، ومعقولاتهم، وأذواقهم، وكشوفاتهم، ومواجيدهم؛ فمن لم يكن كذلك فهو مُنْسَلٌّ من هذا الاعتصام، فالدين كله في الاعتصام به وبحبله، عِلماً وعَملاً، وإخلاصاً واستعانةً، ومُتابعةً، واستمراراً على ذلك إلى يوم القيامة". (مدارج السالكين ج3، ص323).
قال ابن المبارك:
إن الجماعة حبلُ الله فاعتصموا مِنه بعروته الوثقى لمن دانا
(انظر تفسير القرطبي ج4، ص159).
فأهل السُنَّة على الحقيقة هم أهل الجماعة والاجتماع، مع الحرص على ذلك والتواصي به ظاهراً وباطناً.
ولكنهم حين يجتمعون ويدعون إلى الاجتماع يضبطون دعوتهم بضابطين، هما:
1. الاجتماع على كلمة الحق.
2. مراعاة ضوابط الخِلاف.
أولاً: الاجتماع على كلمة الحق
فبدون هذا القيد الضابط لا يكون اجتماع أصلاً، فضلاً عن أن يكون صحيحاً؛ ذلك أن الباطل وأهله في أمر مريج، لا يقرون على قرار، ولا يهتدون لأمرٍ سواء.
فسبب الاجتماع جمعُ الدين كله عِلماً وعَملاً، ونتيجته سعادة الدنيا والآخرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن سبب الاجتماع والألفة جمعُ الدين والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما أمر به باطناً وظاهراً، ... ونتيجة الجماعة: رحمة الله ورضوانه، وسعادة الدنيا والآخرة، وبياض الوجوه". (مجموع الفتاوى ج1، ص17).
قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [سورة آل عِمران – الآية 106].
وقال شيخ الإسلام: "فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تَفَرَّقَ القوم فَسَدوا وهَلَكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب". (مجموع الفتاوى ج3، ص421).
وقال: "فإنهم إذا اجتمعوا كانوا مطيعين لله بذلك مرحومين، فلا تكون طاعة الله بفعل لم يأمر الله به من اعتقاد أو قول أو عمل، فلو كان القول أو العمل الذي اجتمعوا عليه لم يأمر الله به، لم يكن ذلك طاعة لله ولا سبباً لرحمته". (مجموع الفتاوى ج1، ص17).
¥