تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[قصة كتاب تهافت التهافت للامام القاضي الحكيم ابي الوليد ابن رشد]

ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[01 - 07 - 10, 03:00 ص]ـ

[قصة كتاب تهافت التهافت للامام القاضي الحكيم ابي الوليد ابن رشد]

منقول

بعد أن طالع الفلسفة لسنتين في بغداد كتب الإمام أبو حامد الغزالي (1059 - 1111) مؤلفه "مقاصد الفلاسفة" يُظهر به إلمامه بفلسفة أفلاطون وأرسطو وأتباعهم الفارابي وأبن سينا. وكان هدفه ينحصر في تبيان أخطائهم وضلال مذاهبهم التي تبحث في ما وراء الطبيعة. ثم أعقبه كتاب "تهافت الفلاسفة" حيث حدد فيه عشرين مسألة يشكك فيها على براهين الفلاسفة. ولقد نقدهم بقساوة لا تخلو من الشتم واللعن وصلت إلى حد تكفير الفارابي وأبن سينا في ثلاث مسائل هي: القول بقِدم العالم، وإن الله لا يعلم الجزئيات، وفي تأويل المعاد الجسماني. وبهذا العمل وجه الغزالي ضربة عنيفة للفلسفة استمرت لأكثر من ثمانية عقود من الزمن (1095 - 1180).

وطيلة هذه الفترة الزمنية لم يتمكن أحد ما من مفكري وفلاسفة الإسلام أن يرد على كتاب الغزالي. بل أخذت فيها الفلسفة بالانكماش التدريجي، وتراجع الاحترام الاجتماعي للمشتغلين فيها. حتى جاء القاضي أبو الوليد أبن رشد (1126 - 1198) فرد بكتابه "تهافت التهافت" على المسائل العشرين. حيث دحض حجج الغزالي وأبطل التكفير بحق الفارابي وأبن سينا وأعاد للفلسفة اعتبارها. ورغم إنه في حالات قليلة يؤيد موقف الغزالي، إلا إن مهاجمته له كانت شديدة وحادة حيث يصفه بضعف البرهان وركاكة الحجة، ويتهمه في تغير وتبديل أقوال الفلاسفة ويأخذ ما يلائمه ويهمل ما لا يعجبه. بل أن أبن رشد قد نعت الغزالي بالشرير الجاهل وبالخبث والسفسطة وأخرجه من نطاق الفلسفة. وهي ألفاظ لا تليق به ولا يستحقها الغزالي، وربما أراد بها أن يرد حتى على نابية الغزالي المحدودة.

يقول أبن رشد في مطلع كتابه: إن "الغرض في هذا القول أن نبين مراتب الأقاويل المثبتة في كتاب التهافت لأبي حامد في التصديق والإقناع وقصور أكثرها عن رتبة اليقين والبرهان". (ص، 55).

وهنا سنتناول المسائل الثلاث: قِدم العالم والسببية والنفس، التي ركز عليها الغزالي في هجومه على الفلاسفة. وكذلك نعرج على مسألة التأويل والمعاد الجسماني، لأن رد أبن رشد لم يقتصر في "تهافت التهافت" بل أيضاً في كتابه الصغير بحجمه والكبير بعلمه "فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال" الذي سبق التهافت بوقت قصير. وكذلك في كتابه "مناهج الأدلة في عقائد الملة".

مسألة التأويل

رغم أن التأويل يعود إلى أفلوطين الذي أستخدمه في قضية التوفيق بين الدين والفلسفة، وسار على منواله معظم فلاسفة الإسلام، إلا أن أبن رشد يعد الأكفأ في هذا المجال. ففي كتابه "فصل المقال" وضع للتأويل شروطاً مبدئية وأقيسة منطقية قسم مراتب الناس على ضوئها: الخطابيون وهم الجمهور الغالب الذي يصدق بالأقاويل الخطابية. الجدليون وهم علماء الكلام الذين يرتفعون قليلاً عن العامة. البرهانيون وهم الطبقة الخاصة حيث بطبعهم البرهان والحكمة.

ويرى أبن رشد أن تكفير الغزالي للفارابي وأبن سينا ليس بالأمر القطعي، إذ أن: في الشرع أشياء أجمعَ المسلمون على حملها على ظواهرها، وأشياء على تأويلها، وأشياء اختلفوا فيها: فهل يجوز أن يؤدّي البرهان إلى تأويل ما أجمعوا على ظاهره، أو ظاهر ما أجمعوا على تأويله؟

أمّا لو ثبت الإجماع بطريق يقيني، فلا يصح، وأما إن كان الإجماع ظنياً، فقد يصحّ. وحسب رأي أبن رشد أن الغزالي وبقية علماء الكلام قالوا: إنه لا يُقطَع بكفر من خرقا لإجماع في التأويل إذ لا يُتصوَّر في ذلك إجماع مستفيض. وإذا لم يجب التكفير بخرق الإجماع في التأويل، فإن تكفير الفارابي وأبن سينا ليس صحيحاً. بينما "أبو حامد قد قطع بتكفيرهما في كتابه المعروف بالتهافت". في حين أن الغزالي قد: صرّح في كتاب "التفرقة" أن التكفير في خرق الإجماع فيه احتمال. فالظاهر من قوله في ذلك أن تكفيره إياهما ليس قطعاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير