وإذا ابتلي صبر أي إذا نزلت به بلية، إذا ابتلي في بدنه بمرض، إذا ابتلي مثلا بفقر أو فاقة، إذا ابتلي بشيء من أنواع الابتلاء؛ فإن عليه أن يحتسب ويصبر، قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ إلى قوله: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.
وإذا أذنب استغفر هذه أيضا دعوة طيبة؛ وذلك لأن الإنسان يغفل ويقع منه شيء من الخطايا؛ فلذلك عليه إذا وقعت منه أية خطيئة بقلبه أو بلسانه أو بعينه أو بأذنه أو في ماله أو في ولده أو في منزله، أو مع نفسه أو مع غيره؛ بادر وتاب واستغفر.
ويعد كل غفلة ذنبا. كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر ويتوب من الغفلة، يقول: إنه ليغان على قلبي -يعني يأتيه غفلة- وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة.
فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة: الشكر والصبر والاستغفار.
اعلم أرشدك الله لطاعته هذه أيضا دعوة أخرى. أرشدك الله يعني سددك ووفقك لأن تكون من أهل طاعته، الذين يطيعونه ويتبعون ما أمر به.
أن الحنيفية التي هي ملة إبراهيم هي أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين الحنيف: هو المقبل على الله المعرض عما سواه، وقيل: الحنيف هو المائل عن الشرك قصدا إلى التوحيد.
وملة إبراهيم سماها الله تعالى الحنيفية، وسماه حنيفا: مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا؛ يعني مائلا عما كان عليه المشركون من أهل زمانه، هذه الملة يعني الطريقة والشريعة: أن تعبد الله وحده، هذا تفسيرها؛ يعني تجعل عبادتك كلها لله وحده لا شريك له.
تعبد الله وحده مخلصا له الدين أي تخلص الدين له وحده، فلا يكون في دينك ولا في عبادتك شيء لغير الله، بل عبادتك كلها لله وحده، هذا هو الإخلاص، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ.
وبذلك قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ هكذا أخبر بأنه سبحانه خلق الخلق لعبادته، الجن والإنس والملائكة وجميع المكلفين خلْق الله، وهو سبحانه خلقهم لأمر عظيم وهو أن يعبدوه. ولا بد قبل العبادة من العلم بها العلم بكيفية العبادة التي خلقوا لها؛ أن يعبدوه وحده بالعبادة التي أمرهم بها وخلقهم لها، أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين.
فإذا عرفت أن الله تعالى خلقك لعبادته، خلق جنس الخلق -الجن والإنس- لعبادته، فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ومعنى يعبدوني: يوحدوني؛ أي يفردوا ربهم سبحانه بالعبادة، لا يجعلوا معه ندا، ولا يدعون معه غيره، بل عبادتهم تكون كلها خالصة لوجه الله -عز وجل- هذا معنى العبادة، يعبدوني: أي يوحدوني ويخلصوا العبادة لي.
العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد يعني: مع إخلاصها لله كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة أي: مع الطهارة ومع سائر شروطها، الشروط التي هي: الإسلام والعقل إلى آخر ذلك، ومن جملتها الطهارة من الحدث ومن النجاسة.
فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، فإذا دخل الشرك العبادة فسدت الشرك دعوة غير الله معه، صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، فإذا دعا الإنسان ربه في حالة من الحالات، ثم دعا معه مخلوقا ميتا كالذين يدعون عبد القادر مثلا، أو يدعون معروفا الكرخي أو يدعون السيد البدوي يدعون الله ثم يدعون معه هذا المخلوق الميت؛ فإنهم قد أشركوا، قد أدخلوا في العبادة ما يفسدها.
الشرك يفسد العبادة؛ قال الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وقال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فأعمال المشركين باطلة؛ قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا.
يقول: فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها يعني أحبط ذلك العمل، أحبط العمل: لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وصار صاحبه من الخالدين في النار لقول الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ.
عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك أي: معرفة التوحيد حتى تخلصه لله، ومعرفة الشرك حتى تبتعد عنه.
¥