تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" فان قيل فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب قيل نعم لكن الناس فيه على قسمين مقتصد وسابق فالسابقون يختصون بالمستحبات والمقتصدون الأبرار هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة ومن لم يكن من هؤلاء ولا هؤلاء فهو ظالم لنفسه وفى الحديث الصحيح عن النبي اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع [1] " م.

ب - أدلة القائلين أن الخشوع سنة وليس بواجب:

1. أمر رسول الله ص من سها في صلاته بسجود السهو ولم يأمره بالإعادة مع قوله:

" إن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها، ثلثها، ربعها، حتى بلغ عشرها ".

2. إجماع الفقهاء على أنه ليس بشرط.

3. ما ثبت عن النبي ص في الصحيح أنه قال: " إذا أذن المؤذن بالصلاة أدبر الشيطان وله

ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي التأذين أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: " أذكر كذا .. أذكر كذا"، ما لم يكن يذكر، حتى يظل لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس ".

قالوا: فأمره النبي في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان فيها، حتى لم يَدر كم صلى بأن يسجد سجدتين السهو، ولم يأمره بإعادتها، ولو كانت باطلة - كما زعمتم – لأمره بإعادتها [2]. "

4. " وقد حكى النووي الإجماع على أن الخشوع ليس بواجب [3] "

ولذلك قالوا بأن الخشوع سنة كما جاء في المنهاج وشرحه لابن حجر: " ويسن الخشوع في كل صلاته بقلبه بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه .... والظاهر أن هذا مراد النووي من الخشوع لأنه سيذكر الأول بقوله: ويسن دخول الصلاة بنشاط وفراغ قلب إلا أن يجعل ذلك سبباً له ولذا خصه بحالة الدخول [4]."

وفي شرح أصول الفقه الشافعي:

"ومن سنن الصلاة الخشوع وترتيل القراءة وتدبرها وتدبر الذكر والدخول فيها بنشاط وفراغ القلب [5] "

وقال: في المجموع المسألة الثالثة: يستحب. الخشوع في الصلاة، والخضوع، وتدبر قراءتها، وأذكارها، وما يتعلق بها، والإعراض عن الفكر فيما لا يتعلق بها، فإن فكر في غيرها، وأكثر من الفكر، لم تبطل صلاته لكن يكره، سواء كان فكره في مباح، أو حرام كشرب الخمر ... أن الفكر في حديث النفس

إذا كثر بطلت الصلاة وهو شاذ مردود، وقد نقل الإجماع على أنها لا تبطل. وأما الكراهة فمتفق عليها [6] ".

ومن الواضح أن القائلين بهذا القول من الفقهاء يبحثون عن حكم الإجزاء لا حكم الثواب والقبول كما أشار الرازي في تفنيد قولهم. قال الرازي:

" ... أن الحضور عندنا ليس شرطاً للأجزاء، بل شرط للقبول، والمراد من الإجزاء أن لا يجب القضاء، والمراد من القبول حكم الثواب. والفقهاء إنما يبحثون عن حكم الإجزاء لا عن حكم الثواب، وغرضنا في هذا المقام هذا " (أي حكم الثواب).

ثم وضح ذلك بمثال فقال: " ومثاله في الشاهد: من استعار منك ثوباً ثم رده على الوجه الأحسن، فقد خرج عن العهدة، واستحق المدح. ومن رماه إليك على وجه الاستخفاف، خرج عن العهدة، ولكنه استحق الذم. كذا من عظم الله- تعالى - حال أدائه العبادة، صار مقيماً للفرض، مستحقاً للثواب، ومن استهان بها، صار مقيماً للفرض ظاهراً، لكنه استحق الذم [7] ".

غير أن هناك رأي هو أقرب إلى الصواب ذكره الألوسي:

" لنا وجهاً اختاره جمع أنه شرط للصحة لكن في البعض "

فعلى هذا القول يجب الخشوع والحضور ولو في جزء من الصلاة و إلا بطلت الصلاة، وهذا حق خاصة وأن الخشوع روح الصلاة، وإلا كانت ميتة لا روح فيها، مردودة مذموم صاحبها.

وهذا هو أرجح الأقوال، والله أعلم.

حكم صلاة من عُدِم الخشوع

و يترتب على قول من أوجب الخشوع وحضور القلب وجوب إعادة الصلاة - كما قرر ابن حامد من الحنابلة – وجمهور الفقهاء على خلاف ذلك.

قال ابن القيم في مدارج السالكين:

" فإن قيل: ما تقولون في صلاة من عدم الخشوع، هل يعتدبها أم لا؟

قيل: أما الاعتداد بها في الثواب: فلا يعتد بها، إلا بما عقل فيه منها، وخشع فيه لربه.

قال ابن عباس: " ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ".

وفي المسند مرفوعاً: " إن العبد ليصلي الصلاة، ولم يكتب له إلا نصفها،أو ثلثها، أو ربعها حتى بلغ عشرها ". فقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم، فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلاح، ولو أعتدَّ له بها ثوابا لكان من المفلحين، وأما الاعتداد بها في أحكام الدنيا، وسقوط القضاء فإن غلب عليها الخشوع وتعقلها اعتد بها إجماعاً، وكانت من السنن والأذكار عُقيبها جوابر ومكملات لنقصها.

وإن غلب عليها عدم الخشوع فيها وعدم تعقلها، فقد اختلف الفقهاء في وحوب إعادتها. "

ثم رجح – رحمه الله – عدم إعادتها فقال:

" فإن أردتم وجوب الإعادة لتحصل هذه الثمرات والفوائد فذك كله إليه إن شاء أن يحصلها وإن شاء أن يفوتها على نفسه، وإن أردتم بوجوبها أنا نلزمه بها ونعاقبه على تركها ونرتب عليه أحكام تارك الصلاة فلا. وهذا القول الثاني أرجح القولين (أي عدم وجوب الإعادة) والله أعلم [8].". اهـ.


[1] مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 29

[2] انظر مدارج السالكين 1/ 112, 528 - 530

[3] فتح الباري ج: 2 ص: 226

[4] انظر تفسير الألوسي أول سورة المؤمنون

[5] المقدمة الحضرمية ج: 1 ص: 74

[6] المجموع ج: 4 ص: 114

[7] انظر تفسير الرازي أول سورة المؤمنون

[8] انظر مدارج الساكين (1/ 528 - 530)
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير