فالله سبحانه وتعالى هو المؤمن لأنه سبحانه وتعالى لما أرسل الرسل لم يتركهم هكذا بل صدَّقهم , فجعلهم مُصدَّقين بالمعجزات وبالتأييد والنصرة من أجل أن يُصدقوا , قال تعالى على لسان عيسى ابن مريم:" وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ " آل عمران:50.
و إذا قرأنا القرآن ونظرنا في هذا الكون الفسيح نجد أن هناك تطابقا واضحا جليا لا لبس فيه, بين ما في القرآن من آيات , وما في الكون من دلالات , بمعنى أن كلام الله صدّق خلقه فبين لهم علامات وحدانيته ودلائل إلهيته وعظمته , قال تعالى: " سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " فصلت: 53.
والمعنى الآخر الذي يدور حوله معنى هذا الأسم هو الأمن والطمأنينة وقال تعالى في سياق امنتنانه على قريش: " الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ " قريش:4
فالمؤمن هو الذي أمن خلقه من أن يظلمهم.
أثر معرفة معنى هذا الاسم على حياة العبد المسلم:
1 - عندما يعلم المسلم بأن من أسماء الله سبحانه وتعالى المؤمن فعليه أن يشعر ويتيقن بأن الله سبحانه وتعالى سيؤمن له ما وعده به سواء في الدنيا والآخرة ,فقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين في الدنيا بالنصرة والتأييد والتمكين قال تعالى: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " النور: 55, و وعدهم بالجنة في دار الخلود و وعد بأن نراه قال تعالى: " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " سورة القيامة: 22,23
2 - وعند ما يعلم المسلم بأن من صفات الله تعالى المؤمن, فيجب أن يتيقن بأنه إذا أقبل عليه فإنه آمن من القلق والضيق و البلاء والخوف ,فالله سبحانه وتعالى مصدر أمنٍ وأمانٍ للبشر، فبعض الأمور قد تُقْلِقك , ولكن الله هو المؤمن، فإذا اتبعت أمره فأنت في أمن وسلام , قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ " الأنعام: 82.
الأثر السلوكي الذي يمكن أكتسابه من هذا الاسم:
طالما أنها صفة كمال في حق البشر فيجب أن يحاول المسلم أن يتخلق بها , فيجب عليه أن تأتي أفعاله مصدقة لأقواله فلا يكون هناك إزدواجية بين مافي الباطن وما في الظاهر وبين الكلام والفعل , فتأتي ألأفعال مصدقة للأقوال , فعلى المسلم أن يراجع نفسه فلا يكفي أن يكون ممن يصلي ويصوم ويزكي ولكن بداخله الحسد والحقد و الغيبة والنميمة وسوء الظن بالناس أو أن يمارس الكذب والغدر ,بل عليه أن يكون موحدّاً، فلا يوجد ظاهر وباطن، ولا سريرة وعلانية، وموقف معلن وغير معلن، بل عليه أن يكون في جلوته كما هو في خلوته.
و الأمر الآخر أن يأمن الناس جانبه , عن أبي شريح رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:: وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ. (صحيح البخاري)
و عن أبي هريرة قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال::الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ * (سنن الترمذي)
و نسمع كل يوم آلاف القصص عن غدر الناس بعضهم لبعض، و مئات القصص عن خيانة الشركاء لشركائهم، و خيانة الأزواج لأزواجهم، عن أفعال يندى لها الجبين، عن مقالب وغدر وإيقاع الأذى فليس هذا من أخلاق المؤمن لأن المؤمن يجب أن يكون مأمون الجانب.
استطراد:
قد يقول قائل فكيف إذن نوفق بين اسم الله المؤمن وأن الله سبحانه وتعالى يقذف الخوف في قلوب العباد، و هو مصدر أمن للخلق وفي الوقت نفسه قد يملأ قلوبهم خوفا؟
قال تعالى قاصا علينا حال موسى عليه السلام:" فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " سورة القصص:21
و هذا السؤال دقيق جدا فالإنسان إذا أمن قد ينسي الله عز وجل ويطمئن للدنيا ويركن إليها، فيعجبه ماله و قوته و مكانته و بيته أو ذريته، فيشعر أن الدنيا مديدة وأنه في مركز قوي فهذا قد أمن للدنيا، وعلاجه في هذه الحالة , أن يقذف الله في قلبه الخوف، فإذا خاف هذا العبد عاد و التجأ إلى الله عز وجل عندئذ يطمئن بالله، أي أنه يخيف العبد ويقذف في قلبه الخوف كي يؤمنه ويفقره كي يغنيه ويمنعه كي يعطيه ويضره كي ينفعه ويُذِله كي يعزه.
هذا والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المراجع:
الإنفعالات النفسية في القرآن الكريم , سناء بنت تيسير السعداوي.
أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة , سعيد بن وهف القحطاني.
الصفات الألهية في ضوء الإثبات والتنزية , محمد أمان.
القواعد المثلى في صفات الله وأسماءه الحسنى , محمد بن صالح العثيمين.
النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى , محمد الحمود النجدي.
أسماء الله وصفاته في معتقد أهل السنة والجماعة , عمر سليمان الأشقر.
جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري.
لسان العرب لأبن منظور.
محاضرة للشيخ إبراهيم أيوب بتصرف.
محاضرة للشيخ النابلسي بتصرف.
¥