وهنا مسألة مهمة يجدر بحثها حتى يتضح المراد كاملا ألا وهي مسألة التفريق بين الأصول والفروع وضابط ذلك وهل يصح هذا التفريق أم لا؟ وهل هناك أدلة تثبت هذا التفريق؟ وهل من فرق بينهما لم يقع في التناقض؟ ... إلخ الإيرادات الواردة على هذه المسألة.
ومعلوم أن رأي شيخ الإسلام هو عدم التفريق بين الأصول والفروع-إن صح التعبير- من حيث رفع الإثم عن المجتهد الذي تحققت فيه شروط الاجتهاد إن أخطأ وله نقول كثيرة توضح هذا.
وأختم بهذه المقولة لشيخ الإسلام:" فَإِذَا رَأَيْت إمَامًا قَدْ غَلَّظَ عَلَى قَائِلِ مَقَالَتِهِ أَوْ كَفَّرَهُ فِيهَا فَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا حُكْمًا عَامًّا فِي كُلِّ مَنْ قَالَهَا إلَّا إذَا حَصَلَ فِيهِ الشَّرْطُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ وَالتَّكْفِيرَ لَهُ ; فَإِنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ الشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ وَكَانَ حَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَاشِئًا بِبَلَدِ جَهْلٍ لَا يَكْفُرُ حَتَّى تَبْلُغَهُ الْحُجَّةُ النَّبَوِيَّةُ. وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ إذَا رَأَيْت الْمَقَالَةَ الْمُخْطِئَةَ قَدْ صَدَرَتْ مِنْ إمَامٍ قَدِيمٍ فَاغْتُفِرَتْ ; لِعَدَمِ بُلُوغِ الْحُجَّةِ لَهُ ; فَلَا يُغْتَفَرُ لِمَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ مَا اُغْتُفِرَ لِلْأَوَّلِ فَلِهَذَا يُبَدَّعُ مَنْ بَلَغَتْهُ أَحَادِيثُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَحْوِهَا إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ وَلَا تُبَدَّعُ عَائِشَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ بِأَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ فِي قُبُورِهِمْ ; فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ نَافِعٌ. وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِي " شَيْئَيْنِ فِي الْمَقَالَةِ " هَلْ هِيَ حَقٌّ؟ أَمْ بَاطِلٌ؟ أَمْ تَقْبَلُ التَّقْسِيمَ فَتَكُونُ حَقًّا بِاعْتِبَارِ بَاطِلًا بِاعْتِبَارِ؟ وَهُوَ كَثِيرٌ وَغَالِبٌ؟. ثُمَّ النَّظَرُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا أَوْ تَفْصِيلًا وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ فَمَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ أَصَابَ الْحَقَّ قَوْلًا وَعَمَلًا وَعَرَفَ إبْطَالَ الْقَوْلِ وَإِحْقَاقَهُ وَحَمْدَهُ فَهَذَا هَذَا وَاَللَّهُ يَهْدِينَا وَيُرْشِدُنَا إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ." الفتاوى6/ 61
وأرجو أن تكون المسألة قد اتضحت والله أعلم بالصواب.
ـ[أبو المنذر النقاش]ــــــــ[01 - 02 - 05, 04:46 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي في الله تعالى بالغيب باز جعله الله تعالى في علم وفهم ابن باز:
فقد رأيت اليوم استشكالكم هذا النص من ابن تيمية رحمه الله تعالى، ولم أر في ما كتبه الإمام ما يستشكل وأبين لك أيها الحبيب أمور:
الأول: هذه المسألة فرع من فروع مسألة العذر بالجهل، وهي أمر متفق عليه بين أهل السنة.
الثاني: وصفكم لكل ما ذكره ابن تيمية رحمه الله تعالى من أمثلة بالقطعي وفي هذا نظر، وخصوصا المثال الذي أعطيته وهو مسألة التفضيل وقولك فيه قطعي فهذا ليس بقطعي فهناك أئمة وخصوصا أهل الكوفة كانوا يرون الوقوف على عثمان رضي الله عنه، وكان أحمد لا ينكر على من يقف وراجع السنة للخلال تجد مصداق ذلك، نعم استقر القول بعد ذلك على البداءة بالأربعة ثم من يليهم على الترتيب المعروف لكن أن المسألة قطعية فلا.
ومن جعل مسألة عذاب الميت ببكاء الحي من العقائد بله أن تكون من القطعيات.
وكذلك الأسماء والصفات، فإن التفريق بين من ينكرها لهوى في نفسه أو عدم علم أو جهل، وبين من ينكرها لكونها لم يبلغه الدليل الذي انبنى عليه إثبات الصفة، أو أن ظن في إثباتها النقص كما ظن شريح القاضي رحمه الله تعالى في صفة العجب، وهذا هو مذهب أحمد فقد كان يفرق ونص ابن تيمية على هذا وانظر درء التناقض.
بل ابن تيمية رحمه الله تعالى في مكان آخر نص على عين هذه المسائل على أنها مما يعذر فيها وسيأتي النقل.
الثالث: أن ابن تيمية رحمه الله تعالى قيد في أول كلامه الذي نقلته أنت سبب العذر لمن أخطأ في تلك الأمور، وهو أن الدليل الآخر المبين لوجه المسألة لم يبلغه، أو أنه تأوله.
وأعاد هذا في آخر كلامه حيث قال: وكثير من الناس لا يعلم ذلك إما لأنه لم تبلغه الأحاديث وإما لأنه ظن أنه كذب وغلط أ. هـ
¥