تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(و يجوز أن يدعو بما ورد أي في الكتاب والسنة أو عن الصحابة والسلف أو بأمر الآخرة ولو لم يشبه ما ورد وليس له الدعاء بشيء مما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها كقوله اللهم ارزقني جارية حسناء أو طعاما طيبا وما أشبهه وتبطل به)

وعن أحمد رواية أخرى بالجواز

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -

(وقوله: «يدعو بما ورد» يفيد أن الدُّعاء يكون بعد التشهُّدِ والتعوُّذ من الأربع.

وهذا الذي دلَّ عليه حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمه التشهُّدَ ثم قال: «ثم يَتَخَيَّرُ من الدُّعاء ما شاء» وبناءً على ذلك؛ إذا سألَنا سائل: هل أدعو بعد السَّلام أو قبل السَّلام؟ قلنا له: اُدعُ قبل السَّلام؛ لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنك ما دمت في صلاة فإنك تناجي رَبَّك، وإذا سَلَّمتَ اُنصرفتَ، وكونك تدعو في الحال التي تناجي فيها ربَّك خيرٌ من كونك تدعو بعد الانصراف، وهذا ترجيح نظريٌّ، وأما ما يفعلُه بعضُ النَّاسِ من كونهم كلَّما سَلَّموا دَعَوا في الفريضة، أو في النافلة؛ فهذا لا أصل له، ولم يَرِدْ عن النبي صلى الله عليه وسلم

فيما نعلم؛ إلا حين وضع كُفَّار قريش سَلا النَّاقة عليه وهو ساجد، فإنه لما سَلَّم رَفَعَ صوته يدعو عليهم وهذا قد يُقال: إنه فَعَلَ ذلك لمناسبة، وهي تخويفهم؛ لأنه لو دعا وهو يُصلِّي ما علموا بذلك.

وأما الاستدلال بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئل: أيُّ الدُّعاء أسمعُ؟ - يعني: أقرب إجابة - قال صلى الله عليه وسلم: «جوف الليل، وأدبار الصلوات المكتوبة» قالوا: والأدبار تكون بعدُ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تُسبِّحون وتَحمدُون وتُكبِّرون دُبُرَ كُلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثين مرَّة» ومعلومٌ أن هذا لا يُقال إلا بعد السَّلام فيكون قوله: «أدبار الصَّلوات المكتوبة»، أي: بعد السَّلام.

فنقول: هذا الفهم للحديث غير متعيِّن، بل يجب أن يُحمل على أنه المراد بالأدبار آخرُ الصَّلوات؛ بدليل حديث ابن مسعود، حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالدُّعاء بعد التشهُّدِ، والسُّنَّة يُفسِّر بعضُها بعضاً، أما أدبار الصَّلوات فقد أرشد الله سبحانه وتعالى عبادَه إلى أن يذكروا الله بعدَها فقال: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) (النساء: من الآية103)، وليس فيه الأمر بالدُّعاء.

وعلى هذا فنقول: ما وَرَدَ مقيَّداً بدُبُر الصَّلاة، فإن كان ذِكْراً فهو بعد السَّلام، وإن كان دُعاء فهو قبل السَّلام.

فإن قال قائل: دُبُرُ الشيء بعدَه كما في الحديث: «أن رَجُلاً أعتقَ غلاماً له عن دُبُرٍ»، أي: بعد موته؟

الجواب: أن الدُّبُر ما كان الشيء مستدبراً له، وقد يكون منه، وقد لا يكون منه، والذي يُعيِّن كونه منه أو ليس منه القرائن والسِّياق، ولهذا يقال: دُبُر الحيوان وهو منه، فالدُّبر يُفسَّر في كلِّ موضع بما يقتضيه الحال والسِّياق.

بقي علينا المحافظة على الدُّعاء بعدَ النَّافلة كما يفعله بعضُ العوام، فهم يحافظون عليه محافظةً شديدة، حتى إن بعضَهم إذا أُقيمت الصَّلاةُ وهو يُسلِّم مِن النَّافلة، وقبل أن يقوم يُصلِّي الفريضة يرفع يديه، حتى إنك تَشكُّ هل دعا أم لا؟ ثم يمسحُ وجهَه، ويمسحُ يديه بعضهن ببعض، ثم يُصلِّي، فيُلازمون على هذا ظنًّا منهم أنَّه أمرٌ واجب، أو قريب مِن الوجوب، فهذا لا شَكَّ أنه لا أصل له، ولهذا ينبغي لطَلَبةِ العِلم أن يُنبِّهوا النَّاسَ، ولكن بالرفق، لأنَّ العامة إذا أُنكِرَ عليهم ما اُعتادوه نفروا، فإذا أُتوا بالحكمة واللِّين قَبِلوا، ولذلك ما أكثر الذين يسألون عن حُكم رَفْعِ اليدين بعد الصَّلاة النَّافلة! فيظنُّون أن الحُكم معلَّق برَفْعِ اليدين، والحكم ليس معلَّقاً برِفْعِ اليدين، بل الحُكم معلَّق

بالدُّعاء، سواء رَفَعْتَ أم لم ترفع، فما دُمت تريد أن تدعو الله فاُدعه قبل أن تُسلِّم، فهذا هو المشروع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير