النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ , مِنْ أَنْ يَدْخُلَهُ خَلَلٌ أَوْ وَهْمٌ , أَوْ أَنْ يُلْحِقُوا بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. فَلِذَلِكَ أَمَرُوا بِالْإِقْلَالِ مِنْ الرِّوَايَةِ , إلَّا لِذَوِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ مِنْهُمْ , وَإِذَا كَانَ السَّهْوُ وَالْغَلَطُ جَائِزًا عَلَى الرُّوَاةِ , ثُمَّ ظَهَرَ مِنْ السَّلَفِ إنْكَارُ كَثْرَةِ الرِّوَايَةِ عَلَى بَعْضِهِمْ , كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِاسْتِعْمَالِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِيمَا يَرْوِيهِ , وَعَرْضِهِ عَلَى الْأُصُولِ وَالنَّظَائِرِ. قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ مَجْهُولًا , أَوْ شَكَّ النَّاسُ فِي خَبَرِهِ , وَاتَّهَمُوا وَهْمَهُ , نُظِرَ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ , وَرُدَّ مِنْهُ مَا كَانَ يُخَالِفُ نَظَائِرَهُ مِنْ السُّنَّةِ وَالتَّأْوِيلِ , وَجَازَ الِاجْتِهَادُ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ. قَالَ: وَكُلُّ مَنْ حَمَلَ عَنْهُ الثِّقَاتُ الْحَدِيثَ: مِنْ أَعْرَابِيٍّ وَغَيْرِهِ , مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثًا فَرَوَاهُ , وَلَمْ يُعْرَفْ نَشْرُهُ , وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَعْرُوفِينَ بِالثِّقَةِ فِيهِ , وَالْحِفْظِ لَهُ , مِثْلُ: مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَوَابِصَةِ بْنِ مَعْبَدٍ , وَسَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ: حَدِيثُهُمْ عِنْدَنَا مَقْبُولٌ , لِحَمْلِ الثِّقَاتِ عَنْهُمْ. وَلِلْعُلَمَاءِ أَنْ يَنْظُرُوا فِي أَخْبَارِهِمْ , فَيَرُدُّوا مِنْهَا مَا أَنْكَرُوا بِالتَّأْوِيلِ , وَالْقِيَاسِ , وَالِاجْتِهَادِ , وَلَمْ يَشُقَّ عَلَى مَنْ اجْتَهَدَ , فَرَدَّ بَعْضَهُ , وَقَبِلَ بَعْضًا , فَقَبِلَ مِنْهُ مَا لَمْ يَرُدَّهُ نَظَائِرُهُ مِنْ الْأُصُولِ , وَرَدَّ مِنْهُ مَا كَذَّبَتْهُ نَظَائِرُهُ , بِكَوْنِ أَخْبَارِ هَؤُلَاءِ عِنْدَنَا كَأَخْبَارِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْعِلْمِ وَالْحِفْظِ , كَالشُّهُودِ , وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا , وَلَا يَكُونُ مِنْهُمْ الْمُغَفَّلُ الَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْوَاضِحِ , الَّذِي يَرَى الْحَاكِمُ: أَنَّهُ يَضْبِطُ مِثْلَهُ , وَيَرُدُّهُ فِي الْأَمْرِ الْمُشْكِلِ الَّذِي يَرَى: أَنَّهُ لَا يَضْبِطُ حِفْظَهُ , وَالْقِيَامَ بِهِ , أَجَازَ رَدَّ رِوَايَةِ الْمَجْهُولِ بِقِيَاسِ الْأُصُولِ , وَسَوَّغَ الِاجْتِهَادَ فِي قَبُولِهَا وَرَدِّهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْمَجْهُولَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ , أَوْ قُبَيْلَ عَصْرِهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَجْهُولَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ , فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ: أَنَّ الْمَجْهُولَ الَّذِي ذُكِرَ أَمْرُهُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ قُبَيْلَ ذَلِكَ , فَهَذَا وَجْهُهُ عِنْدَنَا: أَنَّ الْقَرْنَ الرَّابِعَ مِنْ الْأُمَّةِ قَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِظُهُورِ الْكَذِبِ مِنْهُمْ , بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ} فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ لِلْقِيَاسِ فِي مُعَارَضَةِ خَبَرِ الْمَجْهُولِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ. وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَجْهُولُ مِنْ السَّلَفِ , مِنْ صَحَابِيٍّ , أَوْ تَابِعِيٍّ , فَإِنَّ عِيسَى قَدْ ذَكَرَ: " أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا رَدَّ خَبَرَ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيِّ فِي قِصَّةِ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ " لِأَنَّهُ كَانَ خِلَافَ الْقِيَاسِ عِنْدَهُ , وَكَانَ سِنَانٌ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْحِفْظِ وَالرِّوَايَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَاتُ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّمَا رَدَّ خَبَرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِتَحَمُّلِ الْعِلْمِ , وَنَقْلِ الْأَخْبَارِ , وَقَبِلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَفَرِحَ بِهِ , لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ , فَجَعَلَ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبَهُمَا فِي ذَلِكَ أَصْلًا فِي جَوَازِ رَدِّ رِوَايَةِ الْمَجْهُولِينَ مِنْ الرُّوَاةِ , لِمُخَالَفَتِهَا الْقِيَاسَ , وَنَزَّلَ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ مَنْزِلَةَ أَخْبَارِ مَنْ شَكَّ النَّاسُ فِي خَبَرِهِ , " وَاتُّهِمَ حِفْظُهُ " عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إنْكَارِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ كَثْرَةَ الرِّوَايَةِ , وَمُعَارَضَتِهَا بِالْقِيَاسِ.)
ـ[ابن وهب]ــــــــ[20 - 03 - 05, 02:27 ص]ـ
وقد أحلت على كتاب الدكتور عبد المنعم لانه من أفضل ما كتب عن الصحابي الجليل
(أبوهريرة الدوسي الزهراني 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -)
¥